مجلس نواب غائب، وأحزاب مهمّشة… والقرار حكر على دوائر مغلقة

7 أغسطس 2025
مجلس نواب غائب، وأحزاب مهمّشة… والقرار حكر على دوائر مغلقة

بقلم: هشام بن ثبيت العمرو

في خضم المشهد السياسي الأردني، الذي يزداد تعقيدًا وتشابكًا، طُرح مؤخرًا تعديل وزاري جديد، جاء كما جرت العادة دون مقدمات تُهيّئ الرأي العام، أو مرافعات تُقنعه بأسباب التغيير وجدواه. أسماء غادرت وأخرى حضرت، فيما بقيت الغالبية من الوزراء في مواقعهم، دون أن تُقدَّم للشارع إجابات شافية عن معايير الإبقاء أو الإبعاد، أو مؤشرات واضحة على أن هذا التعديل سيُحدث فرقًا ملموسًا في الأداء الحكومي.

من المؤسف أن التعديلات الوزارية في الأردن لا تزال تُدار خلف الأبواب المغلقة، وتغيب عنها الشفافية التي يفرضها منطق العصر وروح الدستور. فالتعديل، وهو في الأصل أداة لإعادة تقييم الأداء وتصويب المسار، تحوّل إلى عملية تقنية صامتة، أشبه بإعادة توزيع لمواقع السلطة، لا تراعي في كثير من الأحيان التقييم الحقيقي للمنجزات أو الكفاءة. المفارقة المؤلمة أن مجلس النواب، الذي وُجد أصلًا لممارسة رقابة حقيقية على السلطة التنفيذية، ظل غائبًا عن المشهد، كأن لا دور له في توجيه أو مساءلة أو حتى التعبير عن موقف شعبي مما يجري. فأين ممثلو الأمة من هذه القرارات المفصلية؟ وأين دورهم في مساءلة من غادر، وتقييم من بقي؟ وهل بات البرلمان شاهدًا صامتًا على ما يدور خلف الكواليس دون أن يمارس حقه الدستوري الذي وُجد من أجله؟

ولا يقل غياب الأحزاب السياسية عن غياب البرلمان مدعاة للقلق والتساؤل. فبعد التعديلات الدستورية الأخيرة، وما تلاها من وعود بإحياء الحياة الحزبية وتفعيل التعددية السياسية، كان من المتوقع أن تصبح التعديلات الوزارية انعكاسًا لهذا التحول المفترض، وأن يتمخض عنها دخول شخصيات حزبية ذات برامج ورؤى. إلا أن الواقع أتى مغايرًا، فالأحزاب، رغم الحديث الرسمي عن تعزيز دورها، لا تزال مهمشة، مغيبة عن صناعة القرار، وكأنها لم تُخلق للمشاركة، بل لتملأ فراغات في مشهد شكلي لا أكثر.

الشارع الأردني، من جهته، يراقب بصمت، وهو الصمت الذي بات أبلغ من أي احتجاج. فحين يُقصى الشعب من مشهد صناعة القرار، وتُهمّش المؤسسات الدستورية، وتُدار مفاصل الدولة بمنطق التفرد في القرار لا بمنهج الإصلاح، فإن الثقة تهتز، والأمل يتآكل، والتساؤلات تتكاثر. لماذا هذا الغموض؟ ولماذا تُدار الدولة وكأنها شأن خاص؟ ولماذا يُنظر إلى التعديلات باعتبارها إجراءات داخلية، لا شأن للمجتمع بها؟

وحتى حين نُسجّل تقديرنا لبعض الوزراء الذين أثبتوا حضورهم في الميدان، وعلى رأسهم معالي وزير الداخلية مازن الفراية، ومعالي وزير الخارجية أيمن الصفدي، لما أظهراه من كفاءة وحضور وارتباط مباشر بمصالح الدولة العليا والمواطن، فإن ذلك لا يعفي من مساءلة الأداء العام، وطرح السؤال المستحق: ماذا عن الوزراء الذين لا يرى لهم الشارع أثرًا؟ أين بصماتهم؟ وما الذي يجعل بقاءهم ضروريًا في التشكيلة الوزارية، في وقت تحتاج فيه الدولة إلى كل قطرة كفاءة وكل نفس إصلاحي؟

يبقى السؤال الأهم في نهاية المطاف: هل هذا التعديل جاء فعلًا في سياق مشروع وطني إصلاحي حقيقي يهدف إلى تصحيح المسار ودفع عجلة التطوير السياسي والاقتصادي إلى الأمام؟ أم أننا أمام حلقة جديدة من مسلسل التعديلات الشكلية، التي لا تتعدى كونها إعادة تموضع وتوزيع لمراكز النفوذ، وعبئًا ماليًا جديدًا يُضاف إلى كاهل الدولة، بما يترتب عليه من رواتب تقاعدية وتبعات مالية إدارية؟

ما يحتاجه الوطن ليس تعديلًا لأجل التعديل، بل مراجعة شاملة للأداء السياسي، وخطة إصلاحية واضحة يُسهم فيها الجميع: الحكومة، ومجلس النواب، والأحزاب، والشعب. أما أن يبقى القرار محصورًا بين جدران مغلقة، فذلك لن يُفضي إلى الإصلاح، ولن يُعيد الثقة، ولن يخدم المصلحة الوطنية العليا.