بقلم فادي زواد السمردلي
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
المشهد الحزبي الأردني يشهد اليوم الكثير من الحديث عن “حيوية” جديدة وإعادة ترتيب البيت الداخلي للأحزاب، لكن الواقع على الأرض يبين أن الصورة أقل إشراقًا من هذه التوصيفات فالشباب، الذين يفترض أنهم يشكلون قوة دافعة للعمل السياسي، ما يزال حضورهم محدودًا، ويعاني انخراطهم في الأحزاب من قيود اجتماعية واقتصادية تجعل السياسة بعيدًا عن أولوياتهم اليومية فمعوقات مثل البطالة، صعوبة تأمين فرص العمل، والانشغال بمستقبلهم المعيشي تجعل المشاركة الحزبية مجرد خيار ثانوي أو ترفًا غير متاح للغالبية العظمى منهم.
الأحزاب التي تمثل ألوانًا سياسية مختلفة ما تزال عاجزة عن بناء قاعدة اجتماعية متماسكة، فتظل أنشطتها في كثير من الأحيان سطحية وشكلية فالتوسع في المحافظات، الذي يُنظر إليه كفرصة لتعزيز التفاعل مع المجتمع المحلي، غالبًا ما يقتصر على فروع مكتوبة على الورق أو اجتماعات دورية لا تتجاوز حدود الرمزية، وتفتقر إلى التواصل الحقيقي مع هموم المواطنين اليومية كما أن الاعتماد على الخطاب الإعلامي بدلًا من العمل الميداني يحد من قدرة هذه الأحزاب على خلق صلة عضوية فعلية مع المجتمع.
الجامعات، التي يمكن أن تشكل بيئة خصبة لاستقطاب الشباب وتدريبهم على العمل السياسي، ما تزال بيئة غائبة عن التأثير الحزبي الفعلي فالحضور داخل الحرم الجامعي محدود، والأنشطة السياسية غالبًا ما تظل سطحية، ولا توفر جسورًا حقيقية بين الطلاب والعمل الحزبي المنظم فغياب هذا التفاعل يجعل من الصعب على الأحزاب تكوين قاعدة شبابية مستقرة وفاعلة.
حتى مفهوم “التعلّم عبر الممارسة”، الذي يُنظر إليه على أنه وسيلة لتطوير العمل الحزبي، يواجه تحديات كبيرة، إذ أن التجربة العملية الحالية لا تزال تتسم بالنخبوية والانعزال عن المجتمع فكثير من الأحزاب تركز على تنظيم القمة دون الاهتمام بالقاعدة الشعبية، مما يؤدي إلى استمرار نمط “الهرم المقلوب”، حيث تتكدس النخب في القمة ويغيب التفاعل الجماهيري الفعلي.
بالتالي، فإن الحديث عن نهضة حزبية أو مسار واضح لتطوير العمل السياسي يبقى نوعًا من التفاؤل المبالغ فيه، فالأحزاب لم تصل بعد إلى مرحلة يمكن معها الحديث عن حضور فعلي مستدام في المجتمع، أو عن مشاركة شبابية حقيقية تؤثر في صنع القرار فالواقع يشير إلى هشاشة البنية التنظيمية والاجتماعية للأحزاب، وغياب القدرة على ترجمة الخطط والبرامج إلى أفعال ملموسة تؤسس للثقة بين المواطنين والسياسة.
الخلاصة أن تطوير الحياة الحزبية يتطلب أولاً معالجة المشكلات الجوهرية بناء قواعد اجتماعية متينة، توسيع المشاركة الشبابية الحقيقية، وتعميق الحضور المحلي والطلابي عبر أنشطة وممارسات ملموسة وبدون ذلك، ستظل الأحزاب محكومة بالورقيات والشعارات، ولن تتجاوز مرحلة التجميل الإعلامي للواقع السياسي فتطوير العمل الحزبي لا يمكن أن يتحقق بخطاب التفاؤل وحده، بل عبر خطوات عملية متسقة تعكس قدرة الأحزاب على الربط بين برامجها واهتمامات المجتمع، وضمان مشاركة فاعلة للشباب في صنع القرار.