بقلم د. سعيد محمد ابو رحمه – فلسطين ـ غزة
منذ الساعات الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، برزت الدبلوماسية الأردنية بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني كواحدة من أكثر الأصوات العربية والإقليمية تحركًا وثباتًا في وجه الكارثة المتصاعدة.
لم تكن تصريحات جلالة الملك مجرد مواقف سياسية، بل جاءت مدعومة بتحركات حقيقية، شملت:
– اتصالات مباشرة مع قادة الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، وروسيا، للضغط من أجل وقف إطلاق النار.
– مداخلات واضحة في المحافل الدولية، خصوصًا في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، أكدت أن استمرار العدوان لا يخدم إلا دائرة العنف.
– التحذير من التهجير القسري، حيث كان الأردن من أوائل الدول التي حذّرت من مشاريع التهجير الجماعي للفلسطينيين من القطاع، واعتبرها جلالة الملك خطًا أحمر.
يقف الأردن على قاعدة واضحة في تعامله مع القضية الفلسطينية:
– لا حل دون إنهاء الاحتلال.
– لا بديل عن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
– لا سلام دون عدالة للفلسطينيين.
وهذه الثوابت لا تأتي فقط من موقع سياسي، بل من عمق العلاقة الجغرافية والتاريخية والديموغرافية التي تربط الأردن بالقضية الفلسطينية.
لم يتوقف الدعم الأردني عند التصريحات السياسية، بل ترجمته الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية على الأرض، من خلال:
– إرسال عشرات القوافل الإغاثية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح.
– إقامة مستشفى ميداني أردني في القطاع منذ سنوات، لا يزال يعمل في ظروف شديدة القسوة.
– حملات دعم شعبية، وتسهيل إيصال التبرعات من الشعب الأردني إلى أهل غزة.
وقد لعب سلاح الجو الملكي الأردني دورًا محوريًا في إسقاط مساعدات من الجو في مناطق معزولة ومحاصَرة داخل القطاع، وهي خطوات جريئة حرّكت الضمير الإقليمي والدولي.
في لحظة سياسية تُدار فيها الأزمات بالصفقات والتسويات المؤقتة، يصرّ الأردن على التمسك بالموقف الأخلاقي.
فالملك عبد الله الثاني كان من أوائل من قالوا صراحة:
لا يمكن أن يستقر أي طرف إذا كان الشعب الفلسطيني لا يشعر بالعدل والحرية والأمن.
لقد حمّل الأردن الاحتلال المسؤولية عن الكارثة في غزة، ورفض أن تُقدّم المساعدات كبديل عن العدالة.
في وقت تلوذ فيه كثير من الدول بالصمت ، يصر الأردن على أن يكون الصوت الأخلاقي والسياسي الذي لا يتنازل عن حق الفلسطينيين بالحياة والحرية.
إنها دبلوماسية لا تهدأ لأن ما يجري في غزة أكبر من حرب، إنه اختبار لضمير العالم، والأردن اختار أن يكون في الصف الأول.
إن ما يميز الدور الأردني ليس فقط صوته العالي، بل ثباته في زمن الارتباك.
الأردن لا يتعامل مع غزة كملف هامشي، بل كقضية هوية، وحق، وأمن قومي.
في زمن الصمت، يعلو صوت الأردن.
وفي زمن التردد، يتحرك بثبات.
وفي زمن الشعارات، يقدّم الموقف… والمساعدة… والدم.