بقلم: خالد بدوان السماعنة
في زمنٍ تتكسر فيه المبادئ على صخرة الحسابات السياسية الضيقة، تخرج تصريحاتٌ كتصريحات السيد خليل الحية، لتذكّرنا بأن بعض القيادات ما زالت تنظر إلى الشعوب والدول بعدسة المصلحة اللحظية، لا بعدسة الذاكرة التاريخية والإنصاف الأخلاقي.
حين قال الحيّة، في حديثه الأخير، إن إسقاط المساعدات من الجو “مسرحيات هزلية”، لم يكن يصوّب على الاحتلال فحسب، بل أصاب في شظاياه دولةً وشعبًا كانا، ولا يزالان، من أشدّ المساندين لغزة في محنتها.
الأردن… أكثر من وسيط
الأردن، بقيادته وشعبه، لم يتعامل مع غزة كورقة تفاوضية، ولا كورقة ضغط، ولا حتى كمادة إعلامية للاستثمار السياسي. بل كانت غزة، وفلسطين عمومًا، جزءًا من البنية الأخلاقية والسياسية للهوية الأردنية.
منذ بداية الحرب الأخيرة، تحرّك الأردن على أكثر من مسار: سياسيًا في المحافل الدولية، إنسانيًا في الميدان، وميدانيًا في إسقاط الغذاء والدواء على رؤوس المحاصَرين.
الأردن لم يُزايد، بل فعل ما رآه واجبًا عربيًا وإسلاميًا وإنسانيًا.
الملك شخصيًا دعا مرارًا لوقف الحرب، وتحرك في الخفاء والعلن، بينما كانت بعض العواصم تختبئ خلف شعارات خاوية.
كيف يمكن أن تُوصف كل هذه التضحيات بأنها “هزلية”؟ وكيف يمكن تجاهلها بجرة تصريح؟
إشكالية الحركات العقائدية مع “الدول”
خليل الحية ليس مجرد فرد؛ إنه ممثل لحركة إسلامية عقائدية، لها رؤيتها الخاصة حول “الأنظمة”، وهي رؤية كثيرًا ما تغلب الأيديولوجيا على الواقع، والمظلومية على الموضوعية.
في عقلية كثير من قيادات الفصائل، يُنظر إلى الدول العربية وكأنها كيان واحد: إمّا أن تكون “ثورية” بالمطلق، أو خائنة بالمطلق. لا مكان لمن يتحرك ضمن توازنات دقيقة، كما هو حال الأردن، بين دعم الحق الفلسطيني وحماية مصالحه الداخلية والخارجية.
لكن الشعوب ليست غبية، ولا التاريخ نائم.
حين تصطدم الفصائل بالمجتمعات ،،،
الأردن ليس دولة فقط، بل مجتمع. عشائر وجمعيات وأطباء وطلاب جامعات نظموا حملات دعم، أرسلوا أدوية، وجمعوا تبرعات، ووقفوا في الشوارع بلا كلل. حين تُستخف هذه الجهود بكلمة عابرة، فإنك لا تهاجم النظام فقط، بل تُهين كل تلك الجهود الشعبية الصادقة.
وهذا خطأ استراتيجي، فالفصائل تحتاج إلى الحاضنة الشعبية، كما تحتاج إلى الذراع السياسية.
المطلوب من قادة “المقاومة” ،،،
إذا كانت المقاومة شرفًا، فالصمت عند الإنصاف خيانة. لا نطلب من خليل الحية أن يُجامل الأردن، ولا أن يطري قيادته، لكن نطالبه بأن لا يبخس الناس أشياءهم، خصوصًا حين يكونون في الصف الأول للدعم.
إذا كان الخلاف مع أنظمة أو آليات، فليُقل ذلك بوضوح دون تعميم أو تبخيس.
وإذا كان الهدف تعظيم المأساة، فلا يتم ذلك بتحقير من مدّ يده دون ثمن.
خاتمة… العقل قبل الصوت ،،،
في اللحظات المصيرية، لا بد أن يكون الخطاب عقلانيًا، مسؤولًا، مدروسًا. فالكلمات التي تُقال تحت الضغط، قد تصنع جروحًا طويلة الأمد في الذاكرة الشعبية.
وغزة اليوم، وهي تنزف من كل جرح، تحتاج لكل صوتٍ صادق، ولكل يدٍ داعمة، ولكل موقفٍ حر. لكنها لا تحتاج لتخوين الحلفاء، ولا لطعن الأوفياء، ولا لإطفاء شموع العطاء بحجج الثورة.