بقلم/د. هند جمال فالح الضمور رئيسة قسم الشؤون النسائية الكرك/ تكتب
من خلال عملي الميداني، ومشاركتي في عدد من الدورات التدريبية والندوات التشاركية التي أقيمت مع هيئات المجتمع المحلي في محافظة الكرك، لفت انتباهي تكرار مشكلة محورية في المجالس والجلسات، بل وداخل البيوت نفسها: تدهور العلاقات الأسرية وتفكك الروابط بين أفراد الأسرة الواحدة.
وبعد بحث مستفيض ونقاشات معمقة مع مختصين ومعايشين، وجدت أن أحد الأسباب الجذرية لهذا التدهور يعود إلى السوشال ميديا، لا كوسيلة فقط، بل كسلوك وفكر غير منضبط.
فالمنشورات التي تُكتب من خلف الشاشات، ويُقصد بها أحيانًا “الفضفضة” أو التعبير العام، تُفهم من بعض الأزواج أو الأبناء أو الأقارب على أنها موجهة إليهم، فتبدأ الشكوك، ويحدث التوتر، وتتشكل فجوة من التأويلات المسمومة، التي لا أساس لها إلا الفهم الخاطئ.
لقد تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصة للإسقاط والتلميح والتصفية بدلًا من أن تكون وسيلة للتواصل الحقيقي البناء. واختلطت التربية التقليدية بقيمها الواضحة، بمفاهيم “الحرية غير المنضبطة” التي لا تراعي التقاليد، ولا تحترم خصوصيات العلاقات داخل الأسرة.
بل إننا بدأنا نلاحظ أن بعض الأبناء يتلقون مفاهيمهم التربوية من مقاطع عشوائية وتغريدات موجهة لا تخضع لمنهج تربوي، ولا تنتمي لقيمنا المجتمعية، في حين غاب دور الحوار داخل البيت، وسكتت المجالس العائلية التي كانت تُعلّم وتؤدّب وتغرس القيم.
إن الحل لا يكمن في محاربة السوشال ميديا أو إنكار وجودها، بل في تقويم استخدامها، ونشر الوعي، والعودة إلى التربية بالموقف والكلمة والسلوك. نحتاج أن نعلم أبناءنا كيف يقرأون، لا فقط ماذا يقرأون. وأن نغرس فيهم أن “النية لا تُنشر، والمشاعر لا تُباع، والاحترام لا يُستفز بمزاج إلكتروني”.
الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمعات، وإذا اخترقها الفهم الخاطئ وتأثرها بمنشورات عابرة، فإننا مقبلون على جيل هش في انفعاله، مرتبك في ولائه، مشوش في انتمائه.
لنعُد إلى تربية المبادئ لا مجرد ضبط السلوك. ولنزرع في بيوتنا قيم الحوار، قبل أن نلوم “المنشور” و”اللايك”.