بقلم : عوني الرجوب
باحث وكاتب سياسي
في خضم ما شهدناه مؤخرًا من أحداث مرتبطة بخلل مصنعي في أحد مصانع الخمور، وما ترتب عليه من خسائر مؤسفة في الأرواح، تصاعدت ردود الأفعال وتوجهت الأنظار نحو مؤسسة الغذاء والدواء، لتُحمّلها بعض الأصوات مسؤوليات خارجة عن نطاق دورها الفعلي.
ومن المؤلم أن يتحول الألم المشروع إلى هجوم غير منصف على مؤسسة وطنية تُعد إحدى دعائم الرقابة الصحية في الأردن، ويقودها الدكتور نزار مهيدات، المعروف بنزاهته وخبرته العلمية والإدارية.
لسنا هنا بصدد الدفاع الأعمى عن أي جهة، فالمحاسبة حق، والمساءلة واجب، لكن لا بد أن تُمارس بمعايير العدالة، لا في مناخ الشائعة والانفعال. والعصبيه
فالمؤسسة التي نتحدث عنها تتابع الغذاء والدواء بما يحفظ صحة المواطن، وليس من مهامها الأساسية إدارة مصانع المشروبات الكحولية، والتي تخضع لأطر رقابية وتشريعية خاصة.
الأولى بنا، بدل التجريح، أن نُطالب بفصل الرقابة على الصناعات الضارة مثل الخمور والدخان عن مؤسسة الغذاء والدواء، حفاظًا على هيبة الاسم ووظيفة الدور. نطالب أن تكون مصانع الدخان والخمور تحت إشراف دائره مختصه بها بعيده عن موسسة الغذاء والدواء فالمؤسسة ليست معنية بالترويج لأي منتج ضار، بل تسعى لتطبيق القانون وضمان السلامة العامة ضمن صلاحياتها المحددة.
ما حدث يستوجب المراجعة والمحاسبة، لا الخلط بين المتسبب الفعلي والجهات الرقابية، ولا توجيه اللوم جزافًا لمؤسسة لطالما أثبتت كفاءتها في ملفات حساسة تمس صحة المواطنين.
النقد البناء مرحّب به دائمًا، لكن هناك فرق شاسع بين المساءلة الهادفة، والحملات الموجهة التي تنال من رموز وطنية بطريقة مؤذية. الدكتور نزار مهيدات، الذي يتولى هذه المؤسسة، لم يأتِ من فراغ، بل يحمل سجلًا مشرفًا من الأداء والجدية، وشهادة العاملين معه قبل المواطنين.
نحن بحاجة إلى وقفة عقلانية، نحترم فيها المؤسسات، ونُميّز بين الخطأ الفردي، والمسؤولية المؤسسية، وبين القصور الحقيقي، والاستهداف المغرض.
إن بناء الثقة أصعب من هدمها، وإن المؤسسات تُنهض بالأوطان حين نحسن الظن بها، ونحاسبها بعين منصفة لا بعاطفة منفلتة.
فلا تقتلوا الثقة بسيف الشائعة، ولا تنحروا المنجز باسم الغضب. مؤسسة الغذاء والدواء تستحق الدعم، لا التجريح، وتستحق التقدير على جهودها لا الإساءة لسمعتها.