أحمد الشرع ـ غيمة الشام وماء الأردن

دقيقتان ago
أحمد الشرع ـ غيمة الشام وماء الأردن

بقلم-د. هاني العدوان ـ باحث وكاتب سياسي اردني

حين ينهار الطغيان ينهض الوجدان، وحين تنقشع غيوم الدم والحديد، يشرق فجر جديد تصحو فيه الأرواح من سباتها الثقيل، ويولد في رحم الألم قائد من نور، رجل نبت من تراب الوطن، وتغذى بدموع الأمهات وصيحات الثكالى، وارتوى من حليب الكرامة المسفوحة على مذابح الاستبداد، ذاك هو أحمد الشرع، القائد الملهم، النقي التقي، الذي خرج من عمق الجراح السورية، لا كرقم عابر في سجل الزعامات، بل كقدر محتوم خطته دماء الشهداء، وصاغته صرخات المظلومين، وأحلام الملايين من السوريين المتعبين الذين حلموا بوطن يحميهم، ولقمة عيش بكرامة، وسقف لا تسكنه الوحوش ولا يطرق الموت بابه كل حين

هذا القائد الجديد لا يرى في الحكم مغانم، ولا في المناصب مفاخر، بل يراهما عبادة ومسؤولية ثقيلة، ورحلة شاقة لاستعادة إنسانية السوري قبل حجارته، وكرامة المواطن قبل بناء الحجر، في الداخل، يدرك بعمق أن الوطن ليس خطوطا على خرائط، ولا أختاما على جوازات، بل هو نبض في الصدور، وسكينة في الأرواح، ودفء في القلوب

 

لذلك، يشرع في إعادة بناء سوريا على أسس العدالة والشفافية والمواطنة الصادقة، يفتح الأبواب للعائدين، ويعيد الفصائل إلى حضن الدولة، بعد أن تاهت في متاهات الدم والاغتراب، ليعيد لم شملها تحت علم الوطن، لا تحت رايات التشظي والتبعية، يزرع بذور المصالحة في كل بيت، في كل زقاق، في كل روح جريحة

 

اليوم، يولي التعليم اهتماما استثنائيا، فيعيد للتلاميذ مقاعدهم، وللجامعات هيبتها، وللقلم قدسيته، مؤمنا أن العلم هو النور الذي يبدد ظلمات الخراب، وأن أمة لا تقرأ، تلتهم نفسها في حلقات الجهل والعنف

 

إنه يعمل بإيمان صلب وإرادة لا تلين لإعادة إعمار سوريا حجرا حجرا، وبيتا بيتا، وغرسا غرسا، لكنه في الوقت ذاته ينادي العالم، لسوريا حق على أشقائها، وواجب على الدول المانحة أن تمد يد العون، وتشارك في لملمة شتات وطن دمره الأسد الهارب بظلمه وجبروته، سوريا الجريحة تستحق أن تنهض من ركامها، وتستعيد بسمتها، ويعود شعبها إلى حضن الأمان بعد سنوات التشرد والقهر والدمار، سوريا تستحق الحياة، وعلى كل دولة شقيقة وصديقة أن تضع يدها في يدها، لتبني معها جسور العودة، لا أن تتركها تنزف وحدها في العتمة

 

أما في الخارج، فهو يعلم أن سوريا ليست جزيرة تائهة في بحر السياسة، بل قلب نابض في جسد الأمة، وأن أفاعي المصالح تزحف حولها، والكيان الغاصب يترصد، والقوى الإقليمية والدولية تراقب بعيون الجشع والطمع، لكنه قائد يزن خطواته بميزان الحكمة والدهاء، لا يبيع قرار وطنه في أسواق العواصم، ولا يهرول إلى حرب لا تحمل في طياتها إلا الخراب، سيبني علاقات متوازنة، قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، يلين حين ينبغي اللين، ويشتد حين يحين الصمود، يفتح قلبه حين تحضر الصداقة، ويشهر سيفه حين يحضر الخطر

 

وعند الحديث عن الأردن، تلك الجارة الوفية، الرئة التي تنفست فيها الأرواح السورية فرارا من ألسنة النار، فإن الشرع لن ينسى، وسيظل ممتناً لتلك البيوت التي اتسعت بأهلها وضيوفها، والقلوب التي وسعت الألم قبل الأجساد، الأردن الشريك في الوجع والتراب والتاريخ، سيكون رفيق درب لا مجرد جار، ملف المياه، ذلك النزيف المزمن في خاصرة الأردن، سيجده الشرع في صدارة اهتماماته، لأنه يرى في الأردن امتدادا للروح الشامية، ويرى في التعاون المائي والزراعي والغذائي سبيلا لحماية أجيال المستقبل من ظمأ العطش ومخاطر الجوع

 

لن يكون أحمد الشرع حاكما عابرا، ولا زعيما يعتلي المنابر ليتباهى بالألقاب، بل سيكون حارس الأحلام، مؤذن الفجر الجديد، قائدا يحمل مشاعل العدالة، لا يتوه في دهاليز الدسائس، ولا ينسى وصايا الشهداء في الغوطة، وفي حمص، وفي إدلب، سيكتب التاريخ أن سوريا عادت، شامخة كشجرة زيتون في قاسيون، عصية على الريح، ثابتة تحت الشمس، لأن من يقودها هذه المرة ابن الأرض، ابن الدمعة والدعاء والسجدة والكتاب، رجل جعل الله أمام عينيه، والوطن في قلبه، والشعب فوق رأسه

 

رهاننا في الأردن كبير، وأملنا أكبر، بأن هذا العهد الجديد سيعيد الدفء إلى الجسور، وسيعيد الماء إلى العروق العطشى، ويبني من جديد علاقة مزقها طغيان الأمس، ودفنها في صحراء الجفاء، ما بيننا وبين سوريا ليس حدودا رسمتها اتفاقيات، بل دم مشترك، وتراب واحد، وتاريخ كتبته الشجاعة بمداد الكرامة

 

اليوم، تقف سوريا على مشارف عصر جديد، عصر تقوده روح نقية، وضمير يقظ، ومعه سينمو الحلم، وتزهر الحقول، وتبتسم المآذن، وتدق الكنائس أجراس العودة، تلك هي بشارة النصر بعد ليل طويل، وتلك هي حكاية شعب لم ينكسر، بل انتظر قائده ليكتب معه فجر الحرية بماء الصبر ودم الشهداء