وطنا اليوم:تواجه مناطق المخيبة الفوقا والتحتا في لواء بني كنانة أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، مع الانخفاض الحاد في منسوب مياه الينابيع التي تزود المشاريع السياحية التي تشكل شريان حياة لأهالي المنطقة.
ويرجع الأهالي سبب انخفاض منسوب المياه إلى قيام سلطة المياه بحفر العديد من الآبار الجوفية، مؤكدين أن الوضع المائي بعد حفر الآبار اختلف كليا، وبات يهدد بإغلاق العديد من المشاريع الصغيرة، وخصوصا الاستراحات الشعبية التي كانت تمنح الأمل لسكان المنطقة للنهوض بواقعهم المعيشي والحد من ظاهرتي الفقر والبطالة المتفشية.
وكانت وزارة المياه قد أعلنت سابقا أن حفر الآبار يأتي ضمن جهودها لمواجهة تحديات نقص المياه وتأمين مصادر مائية مستدامة وتحسين الوضع المائي في المنطقة.
ويرى عدد من الأهالي أن هذا التحدي الجديد جاء ليضاعف معاناة أهالي المخيبة، الذين لم يتعافوا بعد من تداعيات هدم مشروع القرية الحمة السياحية قبل سنوات عديدة، موضحين أن إزالة مشروع الحمة وضعهم في موقف لا يحسدون عليه، بعد أن حرموا فقدوا مصدر رزقهم الوحيد.
وتوضح الثلاثينية أم محمد، أن مياه مشروع الحمة “المخيبة الفوقا” تتميز الساخنة بخصائص علاجية فريدة كونها تحتوي على عناصر ومعادن ذات أهمية عالية كانت تساعد المرضى على الشفاء من أمراض العظام والروماتيزم والجلد وغيرها ما جعلها قبلة للسياحة العلاجية على مدار العام ومقصداً للمتنزهين والمصطافين من داخل المملكة وخارجها خاصة مع اعتدال مناخها، مشيرة إلى أن هدم مشروع الحمة كان له انعكاسات خطيرة على المجتمع المحلي، إذ وجد مئات الشباب أنفسهم بين ليلة وضحاها متعطلين عن العمل، الأمر الذي ادى إلى ظهور العديد من الآفات الاجتماعية كتعاطي المخدرات والسرقة وغيرها من الظواهر الدخيلة على المجتمع.
وتضيف أن الواقع الذي خلفه هدم المشروع دفع بعض العائلات إلى تحويل منازلها إلى شاليهات واستراحات شعبية مقابل أجور رمزية بهدف ضمان الحصول على لقمة العيش، في حين اضطر عدد كبير من الشباب إلى هجر المنطقة والتوجه إلى محافظات الشمال بحثاً عن عمل، منوهة إلى أن قيام وزارة المياه بحفر الآبار ألحق ضررا بالغا بالأسر التي تمتلك مشاريع صغيرة كالشاليهات والاستراحات الشعبية التي تعتمد بشكل كلي على وجود برك المياه.
ويؤكد ناشطون أن منطقة الحمة لم تكن مجرد وجهة سياحية فحسب، بل كانت رافداً أساسياً لاقتصاديات السكان، وخصوصاً الفئات الفقيرة منه، غالبية السكان كانوا يعملون في المشروع، سواء في مجال الإنقاذ أو في المطاعم والفنادق التابعة له أو بيع الحرف والصناعات اليدوية للمتنزهين.
ويبين المستثمر يوسف الشمري أنه استغل منزله وحوله إلى مشروع صغير لتشغيل بعض الشباب العاطلين عن العمل، إلا أن نقص المياه تسبب بعزوف الزوار والمتنزهين، قائلا: ” أمام هذا الواقع اضطررت إلى إغلاق الاستراحة والاستغناء على العاملين ما أثر سلباً على أوضاعهم المعيشية.
أما المستثمر حسن الحردان فيبدي تخوفه من عودة الفقر والبطالة بين صفوف الشباب في ظل غياب الاستثمارات، منوها إلى أن وزارة المياه لم تشرك أهالي المنطقة في قرار حفر الآبار ولم تستمع حتى لمطالبهم بضرورة الحفاظ على المشاريع الصغيرة المولدة لفرص العمل.
ويلفت إلى أن حوالي 70 % من الأهالي كانوا يعتمدون على العمل في منطقة الحمة، أما الآن فمعظمهم متعطلون عن العمل، لافتا إلى أن محاولة الأهالي بخلق فرص عمل من خلال تحويل منازلهم إلى منتجعات سياحية باءت بالفشل بعد عملية حفر الآبار.
ويشاركه الرأي المواطن علي الفقير، مؤكدا أن سكان الحمة هم الأكثر تضرراً من هدم المشروع، لفقدانهم مصدر رزقهم الوحيد خاصة وأن الحمة كانت توفر لهم فرص عمل مباشرة في مرافقها، أو الاستفادة من بيع المشغولات اليدوية للزوار، موضحا أن قيام الأهالي بجر المياه المعدنية من الينابيع بواسطة أنابيب بلاستيكية رغم القيود المفروضة عليهم لمنعهم أعاد الحياة للمنطقة، إلا أنها سرعان ما خفت بريقها نتيجة قرار غير مدروس.
ووفق المواطن محمد العقل، فإن الأوضاع الاقتصادية في المنطقة مزرية، فغالبية السكان يزرحون تحت خط الفقر، وقلة من القادرين استطاعوا تحويل المنازل إلى استراحات شعبية، قائلا:” ليس بمقدور جميع السكان القيام بهذا العمل نظراً للتكلفة الباهظة في عمليات التجهيز من تمديدات وشراء أثاث، ناهيك عن تجهيزات الحدائق كالطاولات والكراسي والمناقل وإنشاء البرك”.
ورغم ذلك يرى أن هذه المشاريع تشكل قصص نجاح تحتاج إلى الدعم والتطوير ودفعها للاستمرارية والنجاح كونها تولد الكثير من فرص العمل للشباب والفتيات من أبناء المنطقة، خاصة وأن هذه المشاريع باتت محل استقطاب للباحثين عن التنزه وقضاء أوقات استجمام مع عائلاتهم في ظل توفر كافة المتطلبات اللازمة بما فيها برك السباحة.
ويناشد أهالي الحمة الجهات المانحة، وصندوق تنمية المحافظات، والقطاعين الحكومي والخاص، الاهتمام بمشاريعهم والعمل على تطويرها وتحسينها، وإقامة المزيد منها. كما يطالبون بآلية معينة تمكن أهالي المنطقة من تجاوز حالة الفقر، والاعتماد على أنفسهم بدلاً من الوقوف على أبواب صندوق المعونة الوطنية والجمعيات الخيرية.
من جانبه، يؤكد رئيس بلدية خالد بن الوليد يوسف مبروك، أن منطقة المخيبة التي يزيد عدد سكانها على 4 آلاف نسمة تعد من المناطق الأشد فقراً بين مناطق لواء بني كنانة وخصوصاً بعد هدم مشروع الحمة، مشيرا إلى أن الفقر والبطالة أصبحا منتشرين بشكل كبير جداً في المنطقة، بالإضافة إلى غياب واضح في الخدمات العامة ما يثقل كاهل السكان.
ويوضح أنه قام بتشكيل العديد من اللجان من الدوائر المختلفة وتوجه إلى وزارة المياه لتوضيح النتائج المترتبة على المنطقة جراء حفر البئر الذي أثر على منسوب المياه، مؤكداً أن الحمة في طريقها إلى الدمار، وأن بركة العرائس (الجمالية والإبداع) تعاني العديد من المشاكل.
ويلفت إلى أن جميع المحاولات لإيصال صوت الأهالي للمسؤولين وتحقيق بعض من مطالبهم باءت بالفشل، مطالباً الجهات المعنية بإيلاء المنطقة مزيداً من الاهتمام وعدم ترك الأسر الفقيرة في مواجهة تحد البقاء وحدها دون أي مقومات.
مياه الينابيع تتسبب بأزمة اقتصادية واجتماعية خانقة في مناطق المخيبة
