وطنا اليوم:يواجه القطاع الزراعي في وادي الأردن الكثير من التحديات التي ما تزال تتفاقم عاما بعد عام، إلا أن الصيف الحالي يعد الأصعب والأكثر خطورة في ظل شح مياه الري الزراعية، مع تراجع معدلات الهطول المطري، وتراجع مخزون السدود إلى مستويات حرجة، وتزايد الطلب على المياه، خصوصا في قطاع النخيل.
ورغم أن شح مياه الري يهدد مستقبل آلاف المزارعين، ويلقي بظلاله الثقيلة على القطاع الزراعي برمته، إلا أن المتضرر الأكبر يبقى مزارع النخيل التي تعد من أهم الاستثمارات الزراعية الإستراتيجية، بما توفره من عائد اقتصادي وفرص عمل مهمة لأبناء المنطقة.
وتشير الأرقام الصادرة عن سلطة وادي الأردن إلى تراجع مستمر في مخزون السدود الرئيسة التي تغذي وادي الأردن بالمياه، وهو مؤشر خطير ينذر بوضع مائي حرج.
ووفق المهندس عادل عقل، فإن “هناك نقصا في مياه الري، إذ إن غالبية مزارع النخيل التي يشرف عليها تعاني من نقص في كميات المياه المسالة، ما سيكون له آثار سلبية على الإنتاج، إذ إن عدم حصول النخيل على كميات كافية خلال الفترة الحالية سيؤدي إلى صغر حجم الثمار وذبولها، وسيجعلها ذات جودة منخفضة، مما يقلل من قيمتها التسويقية”، لافتا إلى أن “مزارع النخيل تشكل استثمارات رأسمالية كبيرة، وشح المياه يهدد عوائد هذه الاستثمارات”.
وأضاف عقل، أن “تبعات شح المياه على قطاع النخيل ستكون كبيرة، كونه من أهم القطاعات الزراعية في وادي الأردن، وركيزة مهمة للأمن الاقتصادي والاجتماعي، بما يوفره من فرص عمل لآلاف الشباب والفتيات، وأي خلل سينعكس حتما على واقع العاملين المعيشي”، مطالبا سلطة وادي الأردن بـ”ضرورة إيصال المياه بشكل كاف من خلال ضخها بدلا من إسالتها، لضمان وصولها إلى الوحدات الزراعية”.
“كميات المياه الحالية مقبولة”
ويشاركه الرأي المزارع حسن البايض قائلا إن “كميات المياه الحالية مقبولة، إلا أنها غير كافية مقارنة بالمواسم الماضية”، لافتا إلى أن “أشجار النخيل لا تحصل على المياه يوما بيوم للحصول على إنتاج أفضل من حيث الكم والجودة”.
أما المزارع محمد العدوان فيبين من جهته، أن “الوضع المائي إلى الآن جيد، ولا يوجد نقص في كميات المياه المسالة”، مشيدا في الوقت ذاته بـ”الجهود التي تقوم بها كوادر سلطة وادي الأردن وجمعيات مستخدمي المياه لتزويد مزارع النخيل باحتياجاتها من المياه بشكل مناسب”.
ويعزو معنيون تراجع مخزون السدود إلى عوامل عدة، أهمها التغيرات المناخية التي أدت إلى انخفاض غير مسبوق في معدلات الهطول المطري، وتذبذب مواعيد الأمطار، بالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة الذي يزيد من معدلات التبخر، إضافة إلى الطلب المتزايد على المياه لأغراض الشرب والصناعة، واللذان زادا الضغط على المصادر المائية الشحيحة أصلا.
ويرى رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن عدنان الخدام أن تحدي شح مياه الري في وادي الأردن ليس مجرد أزمة عابرة، بل هو واقع يتطلب استجابة شاملة ومستدامة، مضيفا أن مستقبل القطاع الزراعي وما يحققه من أمن غذائي مرهون بقدرة الأردن على إدارة موارده المائية الشحيحة بكفاءة، وتبني ممارسات زراعية مستدامة، والاستثمار في التقنيات الحديثة.
وأكد أن الوضع الراهن يدفع بالعديد من المزارعين إلى التخوف من عدم توفر كميات كافية من المياه لري محاصيلهم، مما يهدد بجفافها وكسادها، وبالتالي خسائر اقتصادية فادحة، لافتا إلى أن الزراعة بطبيعتها تعتمد كليا على توفر المياه بكميات كافية وفي التوقيتات المناسبة، وأي تراجع في المخزون المائي سينعكس سلبا على القطاع برمته.
وأشار الخدام إلى أن تراجع المخزون المائي للسدود سيضطر الإدارة المائية إلى اتخاذ إجراءات تقشفية في توزيع المياه، مما يعني تقليل الحصص المخصصة للري، وزيادة الفترات الفاصلة بين الدورات المائية، معتبرا أن هذا الأمر له تداعيات وخيمة على المحاصيل الزراعية، في حين أوضح أن نقص المياه سيعيق تجهيز الأراضي للموسم المقبل، ما يعني بالضرورة تأخرا في مواعيد الزراعة، وربما خسارة فرصة زراعة محاصيل ذات عائد اقتصادي جيد في مواعيدها المثلى، أو الاضطرار لزراعة محاصيل بديلة أقل ربحية، ما يضع أعباء إضافية على كاهل المزارعين، ويهدد استدامة الدورة الزراعية.
تعويل على إدامة التزويد المائي
ويعول الخدام على الجهود الحثيثة التي تبذلها سلطة وادي الأردن لإدامة التزويد المائي خلال فصل الصيف، والتي تشكل بصيص أمل لتجاوز هذا التحدي، منوها إلى أن التغيرات المناخية تشكل تحديا عالميا يتطلب تضافر الجهود على جميع المستويات لضمان استدامة القطاع الزراعي في وادي الأردن.
ويؤكد مصدر مطلع أنه سيتم خلال الأيام المقبلة عقد اجتماعات مع جمعيات مستخدمي المياه والمزارعين، وطلب تأخير الزراعة للموسم المقبل فترة شهرين على الأقل، لتجنب حصول خسائر في ظل الوضع المائي الحرج.
وبحسب رئيس جمعية التمور الأردنية الدكتور أنور حداد، فإن مزارع النخيل في وادي الأردن، خصوصا نخيل التمر بأنواعه المختلفة، تعد استثمارا إستراتيجيا واعدا، نظرا للطلب المتزايد على التمور الأردنية ذات الجودة العالية في الأسواق المحلية والعالمية، مضيفا: “شهدت زراعة النخيل توسعا كبيرا في السنوات الأخيرة، لتصبح رافدا مهما للاقتصاد وتوفر فرص عمل للآلاف، إلا أن هذه المزارع، رغم قدرتها النسبية على تحمل الظروف القاسية، ليست بمنأى عن تأثيرات شح المياه. فنخيل التمر يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، خصوصا خلال الفترة بين شهري أيار (مايو) وتموز (يوليو)، وهي الفترة التي تعد الأهم، كونها الفترة التي تحتاج فيها الثمار إلى اكتساب الحجم اللازم”.
وأشار إلى أن الوضع المائي حتى الآن ما يزال مقبولا، وإن وجدت شكاوى نقص مياه، فهي شكاوى فردية وليست مشكلة عامة، موضحا أن ملف مياه الري تتم إدارته بالتنسيق مع سلطة وادي الأردن وجمعيات مستخدمي المياه، التي تعمل جاهدة على توفير الاحتياجات اللازمة من المياه للقطاع.
وضع جداول زمنية لدورات الري
من جانبه، يؤكد مدير تشغيل وصيانة الأغوار الوسطى في سلطة وادي الأردن المهندس مأمون الخرابشة أن الوضع المائي ما يزال جيدا، ويتم تزويد الزراعات الموجودة حاليا، خصوصا النخيل، بالاحتياجات اللازمة من المياه لضمان الحفاظ على الموسم الزراعي، موضحا أن السلطة تسعى جاهدة للمواءمة بين الموازنة المائية المتوفرة واحتياجات المزارعين بما يضمن مصلحة الجميع، في حين لفت إلى أن سلطة وادي الأردن اتخذت خلال شهر نيسان (أبريل) الماضي قرارا بتحديد المساحة المسموح بزراعتها بواقع 5 دونمات لكل وحدة زراعية، للحد من الزراعات الصيفية.
كما أكد الخرابشة أن سلطة وادي الأردن تدرك حجم التحدي الذي يواجه القطاع الزراعي، وتبذل جهودا حثيثة للحد من تبعات شح مياه الري الزراعية، من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات كإدارة وتوزيع المياه بشكل صارم وفقا لأولويات الاستخدام، ووضع جداول زمنية لدورات الري، وتحديد كميات المياه المخصصة لكل دورة، بهدف ضمان العدالة في التوزيع، ومنع الهدر، واستغلال كل قطرة ماء بكفاءة، وتوعية المزارعين بأهمية ترشيد استهلاك المياه، وتشجيعهم على تبني ممارسات زراعية مستدامة تقلل من الهدر، كاستخدام أنظمة الري الحديثة، إضافة إلى القيام بصيانة دورية لقنوات الري وشبكات التوزيع لتقليل الفاقد من المياه الناتج عن التسرب أو التبخر، وضمان وصول المياه إلى المزارع بكفاءة
شح مياه الري يهدد مستقبل آلاف المزارعين في وادي الأردن
