وطنا اليوم – نص خطبة الجمعة ليوم غداً
..بسم الله الرحمن الرحيم
عنوان خطبة الجمعة الموحد
(وبشر الصابرين)
(ملزم)
معززا بالشواهد من الكتاب والسنة بالإضافة إلى المادة العلمية المساندة والمساعدة
28 ربيع الأول 1445هـ الموافق 13/10/2023م
عناصر الخطبة ( مُلزم )
أكرم الله تعالى عباده الصابرين المجاهدين بأن جعل أجرهم بغير حساب، وهي خصيصة نالها الصابرون بنص التنزيل، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ الزمر:10، وهذه نعمة عظيمة، ومنّة جليلة، فإن كل ما سبق التواصي بالصبر من الإيمان والعمل الصالح والثبات على الحق، لا يتحقق إلا بالصبر الذي ثمرته النصر.
إن الصبر على درجاتٍ بعضها أعلى من بعض: فمنها الصبر على الطاعات بالمداومة على أداء العبادات والقربات، ومنها الصبر عن المعاصي باجتناب المحرمات والمنهيات والابتعاد عن كل ما حرم الله تعالى، ومنها الصبر على ما قدره تعالى، فإن الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى هو الركن السادس من أركان الإيمان ، فمن هذا الصبر ما يصيب المؤمنين المتقين في أنفسهم ، وأموالهم وأوطانهم وبلادهم.
الابتلاء سنة الله في الكون، فقوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ سورة البقرة:155، فدلالة الابتلاء من الله تعالى هنا لإظهار ما علم سبحانه وتعالى من خير عميم ، وأجر عظيم.
الحق الذي لا ريب فيه أن كل هذه الابتلاءات قد أصابت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الخطاب لهم أصالة، ولهذه الأمة تبعاً، فلنصبر على كل شيء، فحب الله تعالى وحب ورسوله وحب البلاد يهون في سبيله كل شيء.
نقف اليوم مع أهلنا المرابطين الصامدين في فلسطين الحبيبة وغزة والقدس الشريف وأكناف بيت المقدس، فنحن معهم، ندعو لهم بالنصر والعزة والتمكين، وان يؤيدهم الله بنصرٍ من عنده، وأن يثبت أقدامهم ويتقبل شهداءهم ويشفي جراحهم وينزل الصبر عليهم لينالوا أجرهم بغير حساب.
لا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ﴾الأحزاب :43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”، ومن قال: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي”، وعليكم أيضاً بــ ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) قدر المستطاع.
فهرس الآيات
الآية
السورة ورقم الآية
﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾
الزمر:10.
﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
العصر:1،2،3
﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾
الحجر:99
﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾
البقرة: 177
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾
الشمس:9
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾
سورة البقرة:155
﴿ أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
التوبة:13
﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
التوبة:51
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
آل عمران:200
فهرس الأحاديث
نص الحديث
تخريجه
(ما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ)
رواه البخاري
(اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُك الثَّباتَ في الأمرِ)
رواه ابن حبان
(بَدَأَ الإسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كما بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ)
رواه مسلم.
:(واعلَمْ أنَّ في الصَّبرِ على ما تَكرَهُ خَيرًا كَثيرًا، وأنَّ النَّصرَ مع الصَّبرِ).
أخرجه الترمذي.
(عَجَباً لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له)
رواه مسلم
(ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ)
رواه البخاري.
ملخص الخطبة (مُلزم)
أكرم الله تعالى الصابرين بأن جعل أجرهم بغير حساب، وهي خصيصة نالها الصابرون بنص التنزيل، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ الزمر:10، وهذه نعمة عظيمة، ومنّة جليلة، فإن كل ما سبق التواصي بالصبر من الإيمان والعمل الصالح والثبات على الحق، لا يتحقق إلا بالصبر الذي ثمرته النصر، قال صلى الله عليه وسلم:(ما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ) رواه البخاري.
إن الصبر على درجاتٍ بعضها أعلى من بعض: فمنها الصبر على الطاعات بالمداومة على أداء العبادات والقربات، ومنها الصبر عن المعاصي باجتناب المحرمات والمنهيات والابتعاد عن كل ما حرم الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (بَدَأَ الإسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كما بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) رواه مسلم، ومنها الصبر على ما قدره تعالى، فإن الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى هو الركن السادس من أركان الإيمان ، فمن هذا الصبر ما يصيب المؤمنين المتقين في أنفسهم، وأموالهم وأوطانهم وبلادهم.
الابتلاء سنة الله في الكون، فقوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ سورة البقرة:155، فدلالة الابتلاء من الله تعالى هنا لإظهار ما علم سبحانه وتعالى من خير عميم ، وأجر عظيم، قال صلى الله عليه وسلم:(عَجَباً لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له) رواه مسلم.
الحق الذي لا ريب فيه أن كل هذه الابتلاءات قد أصابت أصحاب رسول الله وكان الخطاب لهم أصالة، ولهذه الأمة تبعاً، فلنصبر على كل شيء، فحب الله تعالى وحب ورسوله وحب البلاد يهون في سبيله كل شيء، وقال صلى الله عليه وسلم:(واعلَمْ أنَّ في الصَّبرِ على ما تَكرَهُ خَيرًا كَثيرًا، وأنَّ النَّصرَ مع الصَّبرِ) أخرجه الترمذي.
إننا مع أهلنا المرابطين الصامدين في القدس وأكناف بيت المقدس، فقلوبنا معهم ندعو لهم بالنصر والعزة، وأن يرفع البلاء والابتلاء عنهم فهم يدافعون عن أرضهم وحقوقهم المشروعة، في المسجد الأقصى المبارك في القدس الشريف وفي أكناف بيت المقدس وعلى أرض غزة وأن يثبت أقدامهم ويتقبل شهداءهم ويشفي جراحهم وينزل الصبر عليهم لينالوا أجرهم بغير حساب.
لا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ﴾الأحزاب :43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.
ومن قال: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي”، وعليكم أيضاً بــ ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) قدر المستطاع.
أركان الخطبة (مُلزمة)
«إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ(1) نحمده ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَسْتَنْصِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ»، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ(2) ، اللهم صلِّ على سيِّدَنا محمَّدٍ(3) وعلى آله وصحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ولزوم طاعته(4): لقوله تعالى(5) {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}(6).
وتتكرر أركان الخطبة الأولى في الخطبة الثانية، ويُضاف إليها الدعاء لعموم المسلمين في نهاية الخطبة الثانية(7): «اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم، وألف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة نبيك، وأوزعهم أن يوفوا بالعهد الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم».
_______________________________________________
(1) الركن الأول: الحمد لله والثناء عليه: ودليله ما رواه الإمام مسلم في صحيحه (867) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله».
(2) التشهد: ودليله ما رواه النسائي (3277) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: «علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة، والتشهد في الحاجة»، وما رواه أبو داود (4841) عن أبي هريرة رضي الله عنه: «كل خطبة ليس فيها تشهد، فهي كاليد الجذماء».
(3) الركن الثاني: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: ودليله أن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر نبيه لما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (31687) عن مجاهد مرسلاً في تفسير قوله تعالى (ورفعنا لك ذكرك)، أي: «لا أذكر إلاّ ذُكِرتَ»، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي» رواه أبو داود في السنن.
(4) الركن الثالث: الأمر بتقوى الله تعالى: ودليله فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وما تضمنته من الآيات الكريمة بالوصية بتقوى الله تعالى، ولأن القصد من الخطبة الموعظة والوصية بتقوى الله تعالى فلا يجوز الإخلال بها.
(5) الركن الرابع: قراءة آيات من القرآن الكريم، لما رواه أبو داود (1101) عن جابر بن سمرة: «كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا، وخطبته قصدا، يقرأ آيات من القرآن، ويذكر الناس».
(6) الأحزاب: 71.
(7) الركن الخامس: الدعاء للمسلمين: ودليله، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب الدعاء للمسلمين في كل خطبة، ولما رواه البزار في مسنده برقم (4664) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أنه «كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات كل جمعة»
( وبشر الصابرين)
المادة العلمية المقترحة
أكرم الله تعالى الصابرين بأن جعل أجرهم بغير حساب، وهي خصيصة نالها الصابرون بنص التنزيل، قال الله تعالى﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ الزمر:10.
وقد خُتمتْ سورة العصر بالتواصي بالصبر في كل حال، قال الله تعالى﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ العصر:1،2،3، فإن كل ما سبق التواصي بالصبر من الإيمان والعمل الصالح والثبات على الحق لا يتحقق إلا بالصبر الذي ثمرته النصر، وهو ما حققه الصحابة رضي الله عنهم في مسيرتهم الحياتية والتي كتبها التاريخ بأحرف من نور، قال صلى الله عليه وسلم:(ما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ) رواه البخاري
واعلموا عباد الله، أن الصبر على درجاتٍ بعضها أعلى من بعض:
فمنها الصبر على الطاعات بالمداومة على أداء العبادات والقربات على أكمل وجه في أوقاتها، واستمرار هذه الطاعات حتى الممات ، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ الحجر:99، وقال صلى الله عليه وسلم: (اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُك الثَّباتَ في الأمرِ) رواه ابن حبان، وهذا يرشدنا الى الاستعانة بالله على الصبر والثبات.
ومن أنواع الصبر أيضاً، الصبر عن المعاصي باجتناب المحرمات والمنهيات والابتعاد عن كل ما حرم الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (بَدَأَ الإسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كما بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) رواه مسلم.
ومنها الصبر على ما قدره تعالى، فإن الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى هو الركن السادس من أركان الإيمان ، فمن هذا الصبر ما يصيب المؤمنين المتقين في أنفسهم ، وأموالهم واوطانهم وبلادهم ، قال الله تعالى: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾البقرة: 177، وقال صلى الله عليه وسلم:(واعلَمْ أنَّ في الصَّبرِ على ما تَكرَهُ خَيرًا كَثيرًا، وأنَّ النَّصرَ مع الصَّبرِ) أخرجه الترمذي.
ومن أنواع الصبر: الصبر بمجاهدة النفس وتخليصها من صفاتها السيئة وتزكيتها بالصفات الحسنة ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ الشمس:9
والحق أن بشارة الله تعالى للصابرين ( وبشر الصابرين) نعمة عظيمة، ومنّة جليلة، قال الله تعالى في سورة البقرة ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ سورة البقرة:155
إن المتدبر للآية الكريمة يوقن بأن القسم في قوله تعالى( ولنبلونكم) قد دل على أن الابتلاء من الله تعالى؛ لإظهار ما علم سبحانه تعالى من خير عميم وأجر عظيم.
وهذه الابتلاءات الخمسة التي جاءت بعد القسم مباشرة ينبغي الوقوف معها ليفرح المؤمنون بالثمرة الخاتمة للآية الكريمة قوله تعالى( وبشر الصابرين).
الابتلاء الأول في قوله تعالى( بشيء من الخوف) ، أي من خوف الأعداء لا من خشيتهم لأن في الخشية تعظيماً، والخوف لا يتعلق به تعظيم، قال الله تعالى ﴿ أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ التوبة:13
وقد دلت (من) في قوله تعالى( من الخوف) على تبعيض الخوف فمهما كان هذا الخوف من العدو فإن المؤمنين لا يخافونه مهما بلغ في جبروته وتكبره واستكباره والصبر يكون مفتاحاً للفرج.
الابتلاء الثاني في قوله تعالى( والجوع): أي بشيء من الجوع ، وهو القحط، وعدم توافر الطعام والماء، مما قد يؤدي إلى أكل أوراق الشجر ، فتتقرح الأشداق ، وهو ما كان يعاني منه بعض الصحابة رضي الله عنهم في الغزوات والسرايا والمعارك، وقد ضربوا أروع الأمثلة في صبرهم على ذلك مما يجب أن يتذكره كل مؤمن حتى تقوم الساعة.
الابتلاء الثالث في قوله تعالى: (ونقص من الأموال): أي ، وبشيء من ذلك بالسرقة والإغارة واغتصاب المال بالقوة ، وبكل صورة من صور نقص الأموال حسياً أو إلكترونياً ويخفف الصبر وطأة ذلك.
الابتلاء الرابع في قوله تعالى ( والأنفس) ، أي بموت الاحباب والاهل والاصدقاء والقتل بأي صورة من صوره المتعددة والصبر في هذه الحالة إنما يكون بعد الصدمة الأولى فيسترجع الإنسان ربه ويقول إنا لله وإنا إليه راجعون.
الابتلاء الخامس في قوله تعالى: ( والثمرات) أي وذهاب ثمرات الكروم والأشجار والزيتون وغيرها، فذهاب الثمرات حرقاً بقنابل الطائرات، أو بإشعال النيران ، أو بقلعها ، وكل هذه الصور التي نشاهدها على شاشات التلفزة ومنصات التواصل مما يصنعه الأعداء في ديار الإسلام، وخاصة في فلسطين والقدس وغزة وغيرها .
وقد ختم الله تعالى الآية الكريمة بقوله سبحانه ( وبشر الصابرين) أي المحتملين هذه المكاره التي في سياق الآية وما يتفرع عنها ، أو ما استجد منها مما صنعته التكنولوجيا الحديثة.
والحق الذي لا ريب فيه أن كل هذه الابتلاءات التي جاءت في الآية الكريمة أصابت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الخطاب لهم أصالة ولهذه الأمة المحمدية تبعاً، فلنصبر على كل ابتلاء، قال صلى الله عليه وسلم :(عَجَباً لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له) رواه مسلم. فكل شيء في حب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وحب البلاد والاوطان يهون.
إن الإنسان السعيد هو الذي آمن بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وعمل الصالحات وتواصى مع غيره بالحق والثبات عليه وكل هذا لا يتم الا بالصبر فمن صبر فإن له بصراً وبصيرة ومن لم يصبر فقد خسر خسراناً مبيناً.
قال سيدنا علي رضي الله عنه :” إن تصبر تمر عليك المقادير وأنت مأجور وإن تجزع تمر عليك المقادير وأنت مأجور”
أيها المؤمنون: نقف اليوم مع أهلنا المرابطين الصامدين في فلسطين الحبيبة وغزة والقدس الشريف وأكناف بيت المقدس، فنحن معهم، ندعو لهم بالنصر والعزة والتمكين، وان يؤيدهم الله بنصرٍ من عنده ، قال تعالى:﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ﴾ الانفال:10، وقال الله تعالى﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ التوبة:51، فقد دلت الآية الكريمة أن كل شيء يصيبنا هو خير لنا، لأننا لا نعلم ما الخير الذي أراده الله لنا، وهي رسالة إلى أهلنا في الديار المقدسة أن ما يصيبكم من لأواء وبلاء إنما هو اصطفاء لكم من الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ) رواه البخاري.
فلنقف جميعاً صفاً واحداً في أردن الحشد والرباط للحفاظ على أمننا واستقرارنا فإن هذا من أهم الأسباب التي تعينهم في الصبر والثبات أمام عدوهم، قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ آل عمران:200
نسأل الله عز وجل أن يحفظ أهلنا الصامدين المدافعين عن أرضهم وحقوقهم المشروعة في المسجد الأقصى المبارك في القدس الشريف وفي أكناف بيت المقدس وعلى أرض غزة وأن يثبت أقدامهم ويتقبل شهداءهم ويشفي جراحهم وينزل الصبر عليهم لينالوا أجرهم بغير حساب.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.
لا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ﴾الأحزاب :43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.
ومن قال: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي”، وعليكم أيضاً بــ ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) قدر المستطاع.
سائلين الله تعالى أن يحفظ الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد، إنه قريب مجيب.
والحمد لله ربّ العالمين