البندورة تاريخ مؤدلج سوداوي ومندس ……

27 سبتمبر 2023
البندورة تاريخ مؤدلج سوداوي ومندس ……

د. مصطفى التل

تماشياً مع القانون الجديد ( قانون الجرائم الالكترونية ) والذي أصبح نافذا في الأردن , رغم الاعتراضات الجمة من الشعب الأردني ممثلا بمعارضته والجزء الأكبر من موالاته , ونتيجة انني أختنق منذ فترة ليست بالطويلة , لأنني لا أمدح مسؤول على كرسيّه إلا بحقّه , كعهد أخذته على نفسي منذ وعيت الحالة الوطنية , ولا أجيد التطبيل لأحد, ولا أستطيع أن ابتلع منهج الحكومة ولو مع خزان ماء مع تعديلاتها السبع , ولا أرى قدسية لأحد إلا لله تعالى فوق عرشه ولا اعتقد بعصمة أحد إلا لأنبيائه عليهم أفضل الصلوات والسلام.

فلا أجيد الكتابة إلا فيما أقتنع فيه ضمن ثوابت الاردن , وأغلب قناعاتي تتعاكس مع المواد التي ضمها القانون الوافد الجديد الذي أصبح مُفعّلاً (غضب عني) شخصياً , فسأحاول الكتابة في قلاية البندورة تاريخ وحضارة , لعلي أجيد هذا الفن من الآن وصاعداً .

البندورة والقلاية مستوردة بقانونها …

الاسم العلمي لـلطماطم هو Solanum lycopersicum وهي تنتمي إلى الباذنجانيات . تشمل هذه الفصيلة أيضًا خضروات أخرى شائعة الاستخدام مثل البطاطا والفلفل وغيرها الكثير. وهي نبات معمر، على الرغم من أن معظم المنتجين يزرعونها سنويًا.

أمريكا الجنوبية؛ تحديدًا المكسيك والبيرو هي الموطن الأصلي للبندورة، وأنّ المستكشف الاسباني هرنان كورتيز (1485 – 1547) نقلها من هناك إلى أوروبا خلال النصف الأول من القرن السادس عشر، ثم نقلها البرتغاليون للعالم القديم زمن الاستعمار.

بداية الأمر رُفضت في آسيا وأوروبا وأفريقيا، والجزر المحيطة بها، باعتبارها من الثمار السّامة، وألصق بها دعايات سوداء مؤدلجة هدّامة جعلتها مبغوضة وغير مُرحّب بها. على سبيل المثال : ادّعى الأوروبيون أنها تثير الشهوة الجنسية وقالوا عنها “تُفاحة الحب” أو “درّاقة الذئب”، وقد حُصر استعمالها في أوروبا بداية ظهورها في الأسواق، بالزينة والصيدلة بدرجة أولى، قبل أن تعرف قيمتها الغذائية، وتبدأ بالتسلل تدريجيًا عبر الفقراء للمطبخ الإيطالي أولًا ثم المطابخ الأوروبية فالعالمية.

فتم أدلجتها بعد تسويد سمعتها من رجال الدين في أوروبا وصولاً الى تحريم هذه الثمار باعتبارها من فصيلة (اللفّاح المُحرم) , حسب ما يشير جان أنتيلم بريّا سافاران (1755- 1826) وهو واحدٌ من أشهر الذّواقة الفرنسيين بأن باريس لم تعرف البندورة قبل العام 1790 , من هنا تم اشاعة الخطر الايديولوجي السوداوي للبندورة في العالم , فتوحد على قانون منعها , وتحت طائلة المسؤولية الشخصية لمتناولها , بحكم أنها تؤدي الى الوفاة .

عربياً , تم استيراد قانون البندورة من بلاد الفرنج وأدلجوها بسودادوية كبيرة , البندورة وصلت مع أدلجتها وسوداويتها بقانونها المستورد للمغرب العربي في القرن السابع عشر، والذي رفضها بدوره تأثّرًا بالقانون الاوروبي ، الشرق العربي استقبل البندورة منتصف القرن التاسع عشر بنوع من الريبة والتوجّس بحكم استيراد قانونها من الفرنجة ، فأطلقوا عليها اسم “الإفرنجي”، واختارت بلاد الشام لها اسم “بندورة” من الكلمة الإيطالية “Pomma Dorra” التي تعني التفاح الذهبي، أما مصر فقد سمتها “طماطم” من التسمية الإنجليزية Tomato.
وذكر المؤرخ خير الدين الأسدي عن علاقة العرب بالندورة، بالقول أنها زُرعت في حلب سنة 1851، وأنّ الناس في حينه تجنّبوا أكلها ناضجة، وأن النسوة كُن يُغطين وجوههن عند رؤيتها!

وبعد ذلك حصل أول تعديل غامض على البندورة وقانونها غير مفهوم الأسباب , يلخصه كتاب “حلب في مئة عام 1850- 1950” للباحثين محمد فؤاد عينتابي والدكتورة نجوى عثمان، بقولهما :

(“في هذه السنة ظهر في حلب بقلٌ باسم (باذنجان إفرنجي) أو باسم (بنادورة) أَحضَرَ بذره من مصر أحد التجار وَزُرِعَ في حَلب فأنجب وأخصب، غير أن الحلبيين لم يألفوا أكله في أول ظهوره، بل كان بعضهم ينفر منه، حتى أن بعض البسطاء كان إذا رآه أو ذُكر في حضوره ينطق بالشهادتين توهمًا منه أنه من الخضر المحرمة التي اخترعها الفرنج، وكان النادر من الناس إذا رضي بأكله يقتصر على الأخضر مطبوخًا ويتحاشون الأحمر منه لإعتقادهم أنه يسبب الأمراض. ومع الأيام ألف الناس أكله وصاروا يتحاشون الأخضر منه ولا يستعملونه إلا مُخللًا وأقبلوا على استخدام الأحمر الناضج إقبالًا زائدًا حتى صاروا يعملون منه عصيراً يدّخرونه للشتاء لتطيب أطعمتهم التي لا تلذ في أذواقهم إلا بعد أن يضاف إليها شيء منه.)

في نهاية القرن التاسع عشر تحديداً وبداية القرن العشرين , حصل انقلاب على قانون البندورة , وتم الغاؤه تحت التجربة الشعبية للبندورة , فصارت البندوة مرغوبة ومطلوبة، وتزرع في غالبية الدول العربية، وبدأ الحديث عن أهميتها وفوائدها الصحية وبدأت تظهر فنون طبخها وإعدادها، وأبدعت مجتمعاتنا المحلية في طرق تخزينها إمّا بالتجفيف تحت أشعة الشمس أو بعصرها (رُبّ البندورة)، وصارت من الخضار التي لا يُستغنى عنها في المطبخ.

أما “قلاية البندورة” التي يعتبرها البعض رمزًا لتراثية الاردن ، هي الاخرى مستوردة من ايطاليا ، ووردت أول إشارة تاريخية للقلاية سنة 1544 حيث روى الطبيب الإيطالي بيتروس ماتيولوس (1501- 1577) أنه كان في ايطاليا من يقلي البندورة كالفطر، بقليه بزيت الزيتون مع تمليحه وتطييبه بالتوابل.

الى هنا ننتهي من البندورة , ونلتقي ان شاء الله في تاريخ الكوسا المؤدلج والسوداوي ….