نضال ابوزيد
في الوقت الذي تتشابك فيه الحالة الأردنية مع تحديات الوضع الداخلي وارتفاع وتيرة تصعيد اليمين الإسرائيلي وتزايد تهديد ” الكبتاجون” في حالة الجنوب السوري وعدم ضمان الوضع الدبلوماسي العراقي المرتبط بالقرار الإيراني وابتعاد الشقيق الخليجي خطوة الى الخلف ، على اعتبار انها استدارة خليجية أقرب الى صيغة المصلحة الخليجية وابعد عن المصالح الأردنية ، فيما يبدو ان مطبخ القرار الأردني يدرك بل على يقين تام بكل هذه التشابكات، الا انه وفي نفس الوقت ذاته يدرك أيضا ان الخيارات امامه باتت صعبة ليس بسبب حالة الإدراك لصعوبة الملفات وتشابكها ولكن بسبب سوء إدارة هذه الملفات من قبل طاقم الإدارة في مطبخ القرار الأردني وفقدان القدرة على المناورة الدبلوماسية بسبب التعلق بمحاولة التناغم مع الموقف الخليجي الذي هو بالمحصلة قد ابتعد خطوة الى الخلف عن التماهي مع الموقف الأردني .
ليبقى السؤال الاعمق والذي يحتاج الى إجابة من نخب السياسة الأردنية التي باتت مؤخراً تركز على إيصال رسائل مشفرة لحكومة اليمين الإسرائيلي الجديدة مبتعدين عن أية إشارة لباقي الملفات التي هي في الأساس لا تقل تأثيراً عن ملف اليمين الإسرائيلي المتطرف ، هذا الاشتباك الأردني المباشر وغير المعتاد مع الملف الإسرائيلي قد ينعكس سلباً على الحالة الأردنية برمتها، في ظل الضعف في المناورة الدبلوماسية .
ثمة ضعف واضح ومتردد ومتضارب في الموقف الاردني تجاه كل الملفات وبالتحديد اكثر تجاه الملف الاسرائيلي، الامر الذي اعطى حكومة اليمين الاسرئيلية الجديدة مجال اوسع للاطلاع على الخيارات الاردنية المتاحة وكشف اوراق اللعب الاردنية – وهنا كانت المشكلة الابرز – ، في حين وبشكل مستغرب لم يكتشف كل من تحدث في الحالة الاردنية الاسرائيلية وبالتحديد في الحالة مع اليمين الاسرائيلي، بأن نتنياهو على الأرجح لا يستطيع ممارسة النضج السياسي ولن يستطع التلاعب ببعض الملفات التي تخشى منها عمان، بحكم توليفة وتركيبة طاقمه الوزاري وبالتالي قد يعود مشهد العلاقات الأردنية – الإسرائيلية إلى تلك الجزئية التي طرحها وزير الإعلام الأردني الأسبق الدكتور محمد المومني، بعنوان أن لدى الأردن أوراقا سيستخدمها في حال بروز أي ممارسات من حكومة إسرائيل الجديدة تمس بمصالح الأردن وخطوطه الحمراء.
وفي الحالة الاقتصادية الاردنية ورغم كل تصريحات التفاؤل لحكومة الخصاونة بعبارات معسولة تتعامل فيها الحكومة بلغة ” إقتصاد العاطفة” بان “القادم اجمل “، وهو ما لا يجدي نفعا مع لغة “اقتصاد الأرقام”، بالتزامن مع التحذير الذي اطلقته المديرة العامة لصندوق النقد الدولي قبل ايام بشأن الصعوبات التي تواجه الاقتصاد العالمي في عام 2023، والذي قالت فيه :بان عام 2023 سيكون عامًا صعبًا باعتبار المحرك الرئيسي للنمو العالمي – الولايات المتحدة وأوروبا والصين – كلها تعاني من الضعف، ليبرز ايضاً هنا، سؤال عميق في ظل هذه التحذيرات، كيف قيمت أدوات حكومة الخصاونة الحالة الاقتصادية الأردنية المرتبطة باقتصاديات العالم ورددت ما قاله كبير الطاقم الوزاري بشر الخصاونة ، “بأن القادم اجمل “؟.
فيما وقريباً من التهديد الخارجي يبقى التحدي الداخلي هو المحرك الأبرز في الحالة الأردنية ولا يمكن عزله عن كل ما يجري في المحيط ، حيث حكومة الخصاونة لازالت تقبع في الدوار الرابع، رغم كل المؤشرات التي اطلقتها مراكز الدراسات بدأً من استطلاع الرأي لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية والذي اشار الى ارقام كبيرة في عدم تقبل الشارع لحكومة الخصاونة ومؤخراً ما صدر في التقرير السنوي لمركز مؤشر الأداء الخاص بمتابعة أداء حالة برنامج أولويات عمل الحكومة الاقتصادي 2021-2023، والذي أظهر استمرار تأخر سير البرنامج بمقدار 31% كفرق ما بين نسبة الإنجاز المخطط والبالغة 74.1% والمنجز الفعلي البالغ 43.1% بمعدل إنجاز وكفاءة أداء مقداره 58% حتى نهاية العام، امام كل هذه الأرقام يبقى السؤال الأبرز أيضا ما سر استمرار انعاش حكومة الخصاونة في حين انها عاجزة وتحتضر او بشكل ادق متوفية اكلينيكياً منذ فترة ليست قليلة ؟.
بكل تجرد ووضوح، ثمة حالة اردنية واضحة واقعة بين تجاذبات التحديات الداخلية والتهديدات الخارجية ولا أحد عملياً في الحالة الأردنية المتفاعلة سياسياً واجتماعياً، والأهم نقاشياً، يمكنه اليوم نفي مضمون أن الجميع في الأردن يشتكي ويتذمر، وخروج بعض النخب السياسية من بيت الطاعة للحكومة وهنا الأبرز والأخطر في ظل تهديد خارجي من حكومة يمين متطرف إسرائيلية وحالة استدارة عربية عن الموقف الأردني وتحدي داخلي يلامس كل ركائز ودعامات الحالة الأردنية ، يجب أن لا نتعامل معها بصيغة الانكار ( قبل وقوع الفأس بالرأس).