د. ضيف الله الحديثات
جاء حديث جلالة الملك عبدالله الثاني خلال لقائه رؤساء وزراء سابقين ليعكس وضوح الرؤية الأردنية وصلابتها في التعامل مع تحديات الداخل والخارج على حد سواء. فالمرحلة التي تمر بها المنطقة ليست عادية إنها مرحلة إعادة تشكيل خرائط النفوذ والمصالح، حيث تتقاطع القضايا الأمنية بالاقتصادية، وتتداخل الأبعاد المحلية بالإقليمية والدولية.
تأكيد جلالته على حماية السيادة والأمن الوطني حيث أن الأردن على أتم الاستعداد كما هو دوماً لحماية سيادته وأمنه، فهو يرسل رسالة مزدوجة: داخلية موجهة إلى المواطن الأردني ليطمئن إلى أن بلده في أيدٍ أمينة، وخارجية موجهة إلى القوى الإقليمية والدولية بأن الأردن لن يسمح بتجاوز خطوطه الحمراء. هذا الموقف ينسجم مع السياسة الأردنية التاريخية القائمة على الحذر الاستراتيجي، والموازنة الدقيقة بين الانفتاح على العالم والتمسك بحق الدفاع عن الذات.
أما البعد الفلسطيني والبعد الإقليمي
والحديث عن “الخطة الشاملة لغزة” التي طُرحت في نيويورك، يعكس أن الأردن ليس مجرد متابع للأحداث، بل طرف فاعل ومؤثر يسهم في صياغة التصورات المستقبلية.
الأردن كان وما زال الصوت الأكثر ثباتاً في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وتأكيده على حل الدولتين يضعه في موقع متقدم باعتباره صوت العقلانية والتوازن في زمن الشعارات المتناقضة.
وإلى جانب ذلك، فإن موقف الأردن من العدوان الإسرائيلي على قطر يكشف وضوح الرؤية، فالمملكة تقرأ هذا الاعتداء باعتباره رسالة تهديد للمنطقة كلها، لا مجرد حادث منفرد. وهذا ما يعزز قناعة عمّان بأن الأمن الإقليمي وحدة متكاملة لا يمكن تجزئتها.
واشار جلالته إلى التطابق الكبير في وجهات النظر مع القادة العرب والمسلمين خلال اجتماعات نيويورك، تعكس نجاح الدبلوماسية الأردنية في بناء شبكة علاقات إقليمية متوازنة. هذا التنسيق يوفّر للأردن هامش قوة إضافياً، خصوصاً في ظل التحديات المرتبطة بالصراع في غزة، والأزمة السورية، وأوضاع لبنان. فالأردن يدرك أن وحده لا يستطيع مواجهة عواصف الإقليم، لكنه في الوقت نفسه يعرف كيف يوازن بين القوى الكبرى، ويستفيد من الإجماع الدولي حول بعض القضايا مثل حل الدولتين.
أما الاقتصاد لم يغب عن بال الملك رغم أن السياسة تفرض نفسها بقوة هذا الايام حيث شدد على اهمية إنجاز المشاريع الاقتصادية قيد التنفيذ، وهذا الإصرار يعكس وعياً بأن الأمن لا يكتمل دون تنمية، وأن المواطن بحاجة إلى الشعور بثمار الاستقرار في حياته اليومية.
حديث جلالته عن سوريا ولبنان، يجدد الأردن تمسكه بسياسة تقوم على حماية الاستقرار الإقليمي، فالأردن أكثر من يدرك أن انهيار أي دولة في جواره يعني انتقال التحديات إلى الداخل، سواء في صورة لجوء أو تهريب أو تهديد أمني مباشر. لذا، فإن حرص عمّان على دعم سيادة سوريا واستقرار لبنان ليس ترفاً سياسياً، بل ضرورة استراتيجية لحماية الأمن الوطني الأردني.
الرسائل الملكية الأخيرة لا يمكن قراءتها في سياق محلي ضيق، بل يجب النظر إليها في إطار الصورة الكبرى، الأردن دولة صغيرة جغرافياً، لكنها كبيرة سياسياً، تملك خبرة طويلة في التعامل مع الأزمات، وتعرف كيف توازن بين مصالحها الوطنية والتزاماتها الإقليمية والدولية.
إن وضوح الخطاب الملكي، وثباته على مبادئ أساسية مثل حماية السيادة، والدفاع عن القضية الفلسطينية، ودعم الأشقاء العرب، يعكس استمرارية في النهج، ويبعث برسالة طمأنة إلى الداخل والخارج معاً: أن الأردن، رغم كل ما يحيط به من اضطرابات، سيبقى صامداً، محافظاً على توازنه، ومتمسكاً بثوابته.