بقلم: المحامي حسين احمد الضمور /الكرك
لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي يومًا مجرد منصات للترفيه، بل تحولت إلى ساحات تُبنى فيها الآراء وتُصاغ فيها الأفكار وتُوجَّه من خلالها العقول. غير أنّ ما نراه اليوم من تفاهة المحتويات، وانحدار الطرح، وانتشار السبّ والشتم، يدعو للقلق ويستحق التوقف والتأمل.
لقد غدت بعض الصفحات والقنوات تتسابق في عرض أكثر المشاهد سطحية، وأشد العبارات ابتذالًا، ظنًا منهم أن الضحك الرخيص أو الإثارة الفجّة هو الطريق الأسرع نحو الشهرة والانتشار. فأصبح معيار النجاح عدد “الإعجابات” و”المتابعات”، لا قيمة الفكرة ولا أصالة الطرح.
والأخطر من ذلك هو شيوع ثقافة الإساءة والسبّ والشتم في التعليقات والمحتويات، حتى صار الخطاب البذيء عند البعض وسيلة للتعبير، أو وسامًا على الجرأة الزائفة. وهذا السلوك لا يعبّر إلا عن فراغ داخلي وضعف في الحجة، لأن الكلمة الراقية تُقنع، بينما الشتيمة لا تُنتج إلا صدىً أجوف يفضح صاحبها.
إن خطورة هذه الظاهرة أنها تُطبع الأجيال الجديدة على قبول السطحية، والتعايش مع الإسفاف، والانسلاخ عن القيم التي تربّينا عليها؛ قيم الاحترام، والنقاش البنّاء، والبحث عن الفائدة. فبدل أن تكون المنصات مدرسة للحوار والتثقيف، تحوّلت عند كثيرين إلى سوق صاخب للمهاترات.
المطلوب اليوم أن نرفع الصوت:
مسؤولية الأهل تبدأ من متابعة ما يستهلكه الأبناء.
مسؤولية صناع المحتوى أن يدركوا أن الكلمة أمانة، وأن التأثير سلاح ذو حدين.
ومسؤولية المتابع أن لا يُغذّي هذه التفاهة بالمتابعة والتفاعل، بل يختار ما يرفع عقله وذوقه.
فالمحتوى الرديء لا يعيش إلا بتفاعلنا معه، ولو قاطعناه لانطفأ سريعًا، أما الكلمة الطيبة والفكرة العميقة فستبقى راسخة، لأنها تستند إلى حق وقيمة ومعنى.