السيوف يكتب : حين يلتقي الدب بالنسر في عرين الصقر: المصالحة الروسية الأمريكية في الرياض

منذ 5 ساعات
السيوف يكتب : حين يلتقي الدب بالنسر في عرين الصقر: المصالحة الروسية الأمريكية في الرياض

بقلم ابراهيم السيوف:

في لحظة تفرض فيها التحولات الدولية واقعًا جديدًا، اجتمع الخصمان اللدودان، موسكو وواشنطن، في قلب الرياض، حيث تُعاد صياغة موازين القوى بواقعية سياسية صارمة، لا مكان فيها للعواطف ولا مجال فيها للخطابات المستهلكة. ليست المصالحة الروسية الأمريكية مجرد لقاء بروتوكولي ولا مصافحة عابرة أمام عدسات الإعلام، بل هي اعتراف ضمني بأن مرحلة الإنهاك الاستراتيجي قد بلغت ذروتها، وأن لغة الاستنزاف لم تعد تحقق الغايات المنشودة لأي من الطرفين.

واشنطن، التي لطالما استخدمت سلاح العقوبات كورقة ضغط، باتت تدرك أن روسيا لم تخضع، بل أعادت هندسة اقتصادها ليصبح أكثر قدرة على امتصاص الصدمات الغربية. وموسكو، رغم صمودها أمام العزلة، تدرك أن استمرار القطيعة مع المعسكر الغربي ليس مسارًا مستدامًا، خاصة في ظل تعقيدات المشهد الدولي وتداخل المصالح على رقعة الشطرنج الجيوسياسية. لا مكان للمنتصرين في هذا الصراع، ولا مهزوم يُعلن هزيمته صراحة، بل حسابات معقدة تُدار بعقل بارد ونظرة استراتيجية بعيدة المدى.

أن تحتضن الرياض هذا اللقاء، فذلك ليس تفصيلًا عابرًا، بل مؤشر واضح على أن الشرق الأوسط لم يعد مجرد ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى، بل بات لاعبًا رئيسيًا في ضبط إيقاع العلاقات الدولية. المملكة، التي أثبتت أنها تتقن فن الدبلوماسية الوازنة، لم تكتفِ بدور الوسيط المحايد، بل أصبحت شريكًا قادرًا على التأثير في مسارات الاتفاقات الكبرى، بحكمة من يرى الصورة الكاملة ولا يكتفي بالتفاعل مع تفاصيلها المتغيرة.

الملفات الشائكة التي تقف حجر عثرة أمام أي تقارب حقيقي لم تُحسم بعد، ولن تُحسم بجلسة واحدة، فأوكرانيا لا تزال بؤرة التوتر الأكثر سخونة، والتوازنات في الشرق الأوسط لم تصل بعد إلى مرحلة الاستقرار النهائي، والمصالح الاقتصادية بين العملاقين لا تزال ساحة شد وجذب. لكن ما جرى في الرياض ليس مصالحة بالمعنى التقليدي، بل هو إعادة ضبط للصراع، ومحاولة لصياغة قواعد اشتباك جديدة، لا تلغي الخلافات، لكنها قد تمنعها من الانفجار في لحظة غير محسوبة.

ما بعد الرياض ليس طريقًا مفروشًا بالورود، فالتاريخ يعلمنا أن المصافحات الدبلوماسية كثيرًا ما تخفي خلفها خناجر مشرعة، لكن الأكيد أن هذه القمة لم تكن مجرد استراحة محارب، بل كانت لحظة اعتراف متبادل بأن النظام الدولي لم يعد يحتمل مزيدًا من الصدامات غير المحسوبة، وأن القلاع التي بدت منيعة قد بدأت تدرك أن الرياح لا تأتي دائمًا بما تشتهي السفن.

السؤال الذي سيبقى معلقًا في الأفق: هل كانت هذه المصالحة رقصة أخيرة قبل عودة الاشتباك، أم بداية لمرحلة جديدة من إدارة الصراع بدلًا من تأجيجه؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة، لكن الثابت أن العالم الذي خرج من هذه القمة لن يكون كما كان قبلها.