وطنا اليوم – رصد – اتسعت دائرة النقاشات العامة والانتقادات لمشروع قانون جديد للجرائم الإلكترونية، الذي أحالته حكومة رئيس الوزراء بشر الخصاونة بصفة الاستعجال إلى البرلمان في 15 تموز الجاري، لتجريم القانون المقترح “أفعالا” اعتبر حقوقيون أنها “من جوهر الحقوق والحريات العامة”، وكذلك استخدام تعريفات “غامضة تقيد عمل وسائل الإعلام”.
ووصل حيز التعليقات حول مشروع القانون إلى وزارة الخارجية الأمريكية، التي أثار تعليق ناقد صدر عن النائب المتحدث باسمها فيدانت باتيل، الثلاثاء، حفيظة أوساط نيابية ونقابية، إذ عبرت نقابة الصحفيين الأردنيين عما أسمته “رفض تدخل وزارة الخارجية الأمريكية في شأن وطني”.
واعتبر المسؤول الأمريكي ردا على سؤال صحفي في الإحاطة الدورية للصحفيين، أن مشروع القانون “جاء مقيدا لحرية التعبير على الإنترنت وخارجه، وأن تعريفاته ومفاهيمه الغامضة يمكن أن تقوض جهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي المحلية وتقلل من الحيز المدني المتاح أمام عمل الصحفيين والمدونين”.
وفي السياق ذاته، عبّر النائب في البرلمان الأردني عمر عياصرة عن استغرابه من تعليق المسؤول الأمريكي، وقال في تصريحات إنه” تدخل غير مبرر، ولن يؤثر في معادلة التجاذب القائمة حول مشروع القانون”، مؤكدا أن “عملية التشريع ستسير في ذات الاتجاه فيما يتعلق بمشروع القانون”.
وبشأن الانتقادات لمضامين القانون وتوجهات النواب، قال عياصرة: “الأجواء العامة في أروقة مجلس النواب تتجه نحو تمرير القانون مع تعديلات قد تجرى تحت القبة، لكنها لن تكون تعديلات على جوهر المشروع والأهم من ذلك، أن الجدل حول القانون حالة صحية، وأعتقد أن هناك اتفاقا على الحاجة له مع خلاف على وجود مناطق رمادية فيه، والأمور تسير باتجاه تشريع يضبط الفضاء الإلكتروني”.
ولم تعلق الحكومة على موقف المسؤول الأمريكي، فيما كانت في وقت سابق، قد اعتبرت أن مشروع القانون يهدف إلى خلق بيئة رقمية “آمنة”، مع تأكيدها بأن الصحفيين “محصنون عبر قوانين الإعلام”.
ويشرع البرلمان المنعقد في دورة استثنائية في اجتماعه، الخميس، بمناقشة مشروع القانون للتصويت عليه بعد أن انتهت اللجنة القانونية من فتح حوار حوله مع منظمات مجتمع مدني وخبراء، وجهوا خلاله انتقادات واسعة وطالب بعضهم رئيس المجلس النائب أحمد الصفدي الذي حضر إحدى جلسات اللجنة القانونية، بتأجيل النقاش حوله وعقد مشاورات فنية وشعبية وحقوقية أوسع.
ويفرض مشروع القانون عقوبات بالحبس و بالغرامات على أفعال عدة، منها ما ورد في المادة 15 المتعلقة بـ”إرسال أو إعادة الإرسال أو النشر بقصد، الأخبار الكاذبة أو قدح أو ذم أو تحقير أي شخص عبر الشبكة المعلوماتية أو أنظمتها أو الموقع الالكتروني أو من خلال منصات التواصل الاجتماعي”، وكذلك تجريم أفعال من قام “قصدا” في المادة 17، بـ”استخدام الشبكة المعلوماتية في إثارة الفتنة أو النعرات أو الحض على الكراهية أو استهداف السلم المجتمعي أو الدعوة إلى العنف أو تبريره أو إزدراء الأديان”.
وتنص عقوبة المادة 15 بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر، وبغرامة تتراوح بين 5 -20 ألف دينار أردني ( نحو 7-28 ألف دولار أمريكي)، تم تخفيضها في اللجنة القانونية بعد أن وصلت غرامتها إلى 40 ألف دينار ( نحو 56 ألف دولار)، كما نصت عقوبة المادة 17 بالحبس بمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن 3 سنوات وبغرامة مالية لا تقل عن 5 آلاف دينار أردني، ولاتزيد عن 20 ألف دينار بعد أن كان حدها الأعلى قبل التخفيض 50 ألف دينار أردني ( نحو 70 ألف دولار).
لكن اللجنة القانونية، أضافت أيضا بندا يجرم من “قام بناء على شكوى بنشر تسجيل أو صورة أو مشهد فيديو بدون إذن وإن كان مصرحا له بذلك، بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر وبغرامة أيضا تتراوح بين 5 آلاف دينار و20 ألف دينار أردني”.
وتشير مصادر مطلعة لموقع CNN بالعربية إلى أن هناك “توافقا لدى مراكز القوى في البلاد على مشروع القانون”، وأن سحب مشروع القانون “غير وارد” في وقت لم تطالب فيه “الأطر النقابية”بسحب المشروع بل دعت إلى تشذيبه، فيما طالبت جهات حقوقية دولية ونشطاء بسحبه على غرار هيومان رايتس ووتش.
من جهته، صرح النائب الأول لرئيس مجلس النواب الأردني، الدكتور أحمد الخلايلة، قائلا إن “مشروع القانون في عهدة البرلمان صاحب الصلاحية الدستورية للنظر فيه.”
وقال الخلايلة، لموقع CNN بالعربية”، إن “الأردن دولة ديمقراطية والمسألة متعلقة هنا بقرار الأغلبية كما هو الحال في دول العالم”، فيما أكد أن “الجدل العام خلال الأيام الماضية، أفضى إلى تشكّل مواقف نيابية حيال مشروع القانون لدى كل نائب”، وأضاف: “كل نائب اليوم قد اختمر في ذهنه تصوّر عن مشروع القانون وتداعياته. النواب سيمارسون حقهم الدستوري خلال المناقشات وستظهر هذه التصوّرات والمواقف على الملأ تحت القبة.”
ويختلف النائب في البرلمان الأردني صالح العرموطي العضو في كتلة الإصلاح ، مع سابقيه حول مشروع القانون، معتبرا إياه “مخالفا للدستور” الذي نصت المادة 128 منه ، على أنه “لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها”.
وقال العرموطي الذي شغل موقع نقيب المحامين الأردنيين سابقا، لموقع CNN بالعربية: “مشروع القانون ردة عن الإصلاح ويتعارض مع منظومة التحديث السياسية التي ضمنها الملك عبدالله الثاني، إذ أبقى مشروع القانون على التوقيف وجمع عقوبات متعلقة بقوانين أخرى مثل قانون العقوبات وقانون منع الإرهاب وقانون محكمة أمن الدولة وغسل الأموال وقانون الاسلحة والذخائر”.
ورأى العرموطي أن القانون “توسّع” في تجريم الأفعال في النشر الإلكتروني دون تمييز النشر في وسائل الإعلام عن منصات التواصل الاجتماعي، حتى وإن “اشتمل النشر على أخطاء بسيطة وضئيلة”، عدا عن تحميل المواقع الالكترونية والناشر المسؤولية القانونية عن التعليقات، بحسب قوله.
ودعا العرموطي النواب إلى التصويت على رد مشروع القانون، وأضاف: “لماذا لايسجل النواب هذا الموقف، نحن مقبلون على انتخابات نيابية وإقرار القانون سيدفع بالناس للإحجام عنها أو حتى التعبير عن مواقفها”، مؤكدا أن العقوبات المغلظة في مشروع القانون ليست هي المعضلة الوحيدة بل “التوسع في التجريم”، على حد تعبيره.
وأطلق نشطاء قبل أيام حملة إلكترونية حملت وسم (هاشتاغ) #قانون_لجرائم الإلكترونية_نعي_للحريات معتبرين أن في مشروع القانون حماية للمسؤولين بالدرجة الأولى.
و يعتبر مشروع القانون الجديد بديلا عن قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015، فيما كانت حكومة رئيس الوزراء السابق هاني الملقي قد قدمت مشروع تعديلات على القانون إلى البرلمان الثامن عشر قبل رحيلها في يونيو/ حزيران 2018 ، لكن الحكومة التي تلتها برئاسة عمر الرزاز سحبته مجددا آنذاك وعدلته دون أن يقر في البرلمان.
ولم تفتح الحكومة الحالية برئاسة بشر الخصاونة ملف مشروع قانون الجرائم الالكترونية منذ تشكلها في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، لتطرح المشروع الجديد هذا العام، وتحيله للبرلمان الحالي التاسع عشر.
المصد CNN العربية