مروان العمد
واتابع حديثي عما جرى في الاردن ، بالحديث عن العملية الارهابية ، والمتمثلة باطلاق الرصاص على عناصر من مديرية شرطة معان ، كانت قد ذهبت الى بلدة الحسينية لمعالجة بعض اعمال الشغب التي قامت بها مجموعة من المخربين والخارجين على القانون ، كما ورد في بيان الامن العام . واثناء ان كانت عناصر من هذه القوة يعملون على ازالة العوائق من على الطريق ، انطلقت عيارات نارية من منطقة زراعية مظلمة وفيها بعض الاشجار ، مما ادى الى استشهاد نائب مدير شرطة معان ، العميد الدكتور عبد الرزاق الدلابيح ،بعد اصابته بعيار ناري في رأسه ، واصابة كل من الملازم فيصل الدعجه ، والعريف حمد السرحان بجراح . وقد حاول عناصر الامن المرافقين له إسعافه ونقله للمستشفى ، الا انه كان قد توفي قبل ذلك . وقد جاء في بيان مديرية الامن العام ، انها مستمرة في عملها لحفظ امن الوطن وحماية مواطنيه ، وانها ستضرب بيد من حديد على كل من يحاول الاعتداء على الارواح والممتلكات العامة ، وشددت على انها تكفل حماية حرية الرأي والتعبير السلمي عنه ، الا انها لن تسمح للمجرمين والمخربين باستغلال هذه الظروف للمساس بحياة المواطنين وترويعهم .
وفي وسط اجواء الحزن والالم لاستشهاد العميد الدلابيح ، واصابة رفاقه بجراح ، وبدلاً من توجيه هذا الغضب نحو المخربين الذين قاموا بهذه العملية ، فقد ذهب البعض الى التشكيك بها ، و القول انها كانت مدبرة من الاجهزة الامنية ، لتصبغ حركات الاحتجاج بصبغة الارهاب والتخريب تمهيدا للقضاء عليها باستخدام القوة . مع ان هذه الأجهزة لم تستخدم القوة مع الذين كانوا يقومون باعمال شغب وتخريب وقطع للطرقات على هامش الاعتصامات . وانما كانت تعمل على تفريقهم ، وازالة العوائق التي كانوا يضعونها ، بالرغم من ان ما كانوا يقومون به ، هو خارج عن نطاق الاحتجاج والاعتصام السلمي الذي كفله الدستور .
ونتيجة لتوجيهات جلالة الملك ، ومطالبة المواطنين وعلى رأسهم ذوي الفقيد ، بسرعة الكشف عن المتسببين باستشهاده ، فقد عملت الاجهزة الامنية على تحقيق ذلك . ونتيجة لتحقيقاتهم ، فقد توفرت لديهم معلومات ان الرصاص انطلق من سكان احد المنازل في مدينة الحسينية ، حيث تقيم عائلة معروف عنها تأييدها لتنظيم النصرة الارهابي ، وان احد ابناءها كان قد قُتل في سورية قبل خمس سنوات ، اثناء مشاركته في القتال بصفوفها ، وان ابن آخر لها معتقل بتهمة الانضمام لهذا التنظيم منذ سنتين ، وان هذه المجموعة الارهابية وفي يوم الخميس قبل الماضي ، قامت بوضع معيقات على الشارع العام في بلدة الحسينية ، واشعلت النيران في إطارات السيارات وبما يشبه الكمين لرجال الامن . وعند وصول القوة الامنية لازالة المعيقات ، اطلقت عليها النيران من اسلحة اتوماتيكية ، مما ادى الى استشهاد العميد الدلابيح واصابة زميلاه . وبعد توفر هذه المعلومات التي تم جمعها من مسرح الجريمة . وفي صباح يوم الاثنين الماضي ، تحركت قوة امنية الى ذلك الموقع لالقاء القبض على الاشخاص المشتبه بهم بارتكاب هذه الجريمة . و كانت القوة الامنية حريصة على القاء القبض عليهم احياء . وفور بدء المداهمة الامنية ، قام احد الارهابيين باطلاق النار على القوة الامنية من سلاح اتوماتيكي ، وتم تطبيق قواعد الاشتباك معه ، والذي نتج عنها استشهاد كل من النقيب قاسم الرحاحله ، والملازم معتز النجادا ، والعريف ابراهيم الشقارين ، واصابة خمسة من افرادها بجروح مختلفة ، ومصرع مطلق النيران بعد مطاردته بين البيوت المتواجدة هناك ، والتي كان يتواجد بها نساء واطفال ، وتدخل بعض المتواجدين لصالح هذا الارهابي ، بهدف حمايته من القاء القبض عليه من قبل القوة الامنية . وهذا يفسر سبب ارتفاع عدد الاصابات في صفوفهم . كما تم اعتقال تسعة اشخاص كانوا متواجدين مع مطلق النار اثناء المداهمة ، ومنهم اربعة من أشقاءه ، وثلاثة من ابناء احد اشقائه ، واثنين آخرين . ولقد تم ضبط مجموعة من الاسلحة النارية الاوتوماتيكية ، وكمية كبيرة من الذخيرة بحوزتهم . كما ثبت بالادلة المخبرية ان السلاح الذي كان يحمله الارهابي القتيل ، هو نفسه الذي استخدم في اغتيال الشهيد الدلابيح . وان جميع التحقيقات والادلة الجرمية ، ونتائج العينات الملتقطة من مسرح الجريمة اكدت على ان هذا الارهابي هو من كان قد اطلق النار على العميد عبد الرزاق الدلابيح . ليعم الحزن والالم على من انضموا الى قوافل شهداء الاردن من اجهزتنا الامنية ، الذين سقطوا دفاعاً عن الوطن والمواطن الاردني . الا انه ومرة اخرى وبدلا من الاشادة بالاجهزة الامنية وعناصرها الذين نذروا انفسهم للوطن ، وقدموا ارواحهم فداء له ، عادت بعض الاصوات لتشكك فيما حصل . والقول ان الهدف هو شيطنة الاعتصام ومن فيه . كما انطلقت موجة من التسجيلات والفيديوهات ، التي اخذت تكيل التهم للاجهزة الامنية بعدم الحرفية في عملياتها ، متجاهلين مدى خطورة التعامل مع مثل هذه الحالات ، حيث يواجه رجال الامن اشخاص لا يترددون في اطلاق الرصاص ، ولا يترددون في قتل رجال الامن ، ولا يمانعون بأن يقتلوا هم ، نتيجة مسح ادمغتهم . حيث اصبحوا يعتقدون ان هذه هي وسيلتهم لنيل الشهادة ، والاقامة في الجنة مع الحور العين ، فيم هم الى جهنم وبأس المصير ان شاء الله ، والذين دائماً ما يختبؤن بين الموطنين أثناء ممارسة ارهابهم على رجال الامن .
ولم يتوقف الامر عند هذا الحد ، فقد ظهر من يدافع عن الارهابيين ، كونهم من تنظيم النصرة ، والتي يعتبرها البعض انها غير ارهابية ولا تكفيرية ، وانما حركة جهادية . وربما هذا البعض يعتبر ان قتل عناصر الاجهزة الامنية هو نوع من الجهاد . وذهب آخرون لاعتبار الحكومة مسؤولة عن استشهاد عناصر الامن ، كونها لم تستجب لمطالب المعتصمين ، او انه تم افتعال هذه الحادثة لإيجاد مبرر لقمع المعتصمين السلميين . فيم ثبت عدم صحة هذا الادعاء ، حيث لم توجه تهمة الارهاب للمعتصمين ، ولم يتم استخدم العنف ضدهم . وكان وصف الارهابين والمخربين التكفيريين محصوراً بتلك الفئته الباغية التي اغتالت عناصر الامن .
صحيح انه جرت بعض التوقيفات لمن شاركوا باعمال الفوضى والتدمير والاعتداء على الممتلكات ، كما وثقتها فيديوهات المعتصمين . والتي وثقت ايضاً انحراف بعض ساحات الاعتصام عن سلمية الاعتصام . و اصبحت ساحة للدعوة للخروج على النظام ، وقدح المقامات العليا ، ومحاولة اعادة الحياة للفتنة التي تم وأدها . والتهجم على الاجهزة الامنية والدعوة للتصدي لها ، في فيديوهات بث مباشر بالاشتراك مع علاء الفزاع ومصطفى شومان .
وبالرغم من ان هذه الاحداث كانت حالات معزولة ، الا انه كان فيها خروج على حق الاعتصام كما اقره الدستور . وعدم ادراك لمعنى سلمية الاعتصامات والاضرابات . والذي يعني الخروج من المظلة الدستورية وتحوله الى حالة من الخروج على القانون .
وفي النهاية فنحن نقف على مفترق طرق ، اما ان يؤدي بنا الى الهاوية ، او نسلك طريق السلامة والامان . وانني لا ارى مستقبلاً للحكومة الحالية في وصولنا الى درب السلامة، مهما اجري لها من عمليات تجميل ، او اعطيت من منشطات ، او حقنت بالكورتيزون . لقناعتي بأنها قطعت خيوطها مع المواطنين الذين لم يعودوا يثقون في اي شيئ تقوله او تعمله ، حتى لوكان عنوان الحقيقية . و يصدقون كل ما يقال عنها ولو لم يكن فيه أي شيئ من الحقيقة . ولكني اعرف ان اي حكومة يتم تشكيلها الآن لن تملك عصى سحرية تحل بها مشاكلنا ، الا بعد استكمال منظومة الاصلاحات التشريعية والقانونية وما تتطلبه من اضافة او تعديل . والا فأنها ستكون استنساخاً للحكومة الحالية ، او اكثر سوءاً . و لا بد من تخفيف اعباء الحياة على المواطنيين المطلوب منهم سلوك الطرق السلمية للمطالبة في حقوقهم . وان تضرب اجهزتنا الامنية بيد من حديد على من تبقى من حملة الفكر التكفيري والارهابيين والمخربين والخارجين على القانون . والا فأنني استودعكم الله في هذا الوطن