وطنا اليوم – قدم الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، يوم الأربعاء، مرشحه لمنصب وزير الدفاع، الجنرال المتقاعد لويد أوستن، وذلك رغم مخاوف أبداها مشرعون بخصوص تعيين جنرال سابق على رأس البنتاغون، في ظل جدل حول “عسكرة المنصب”.
وكان من اللافت أن بايدن خصص مناسبة إعلان هذا التعيين لوحده، إذ لم يكشف خلاله عن أي أسماء لباقي المناصب الشاغرة بإدارته، علماً أن مجلة “بوليتيكو” كانت أول من كشف عن هذه التسمية التي أكدتها لاحقاً كل من صحيفة “نيويورك تايمز” وقناة “أي بي سي”. وكأنه أراد بذلك إبراز الخطوة كحدث هام غير مسبوق، وفي الوقت ذاته استباق التحفظات والتساؤلات التي يدرك أن اختياره سوف يثيرها، خاصة على صعيد الكونغرس. وبالفعل هذا ما حصل ومن الخندقين الديمقراطي والجمهوري. وبهذا وضع الرئيس المنتخب نفسه أمام معركة قد لا تكون سهلة لانتزاع موافقة مجلس الشيوخ على تعيين أوستن، فضلا عما أثاره ذلك من أسئلة حول السياسة الدفاعية التي تنوي إدارته اعتمادها.
الاعتراض على تعيين أوستن توزع بين العلني والمبطّن. الأول كان الأهم وجاء عموماً على الهوية العسكرية للمرشح. وقد صدر عن رموز من الحزبين في مجلس الشيوخ. وبالتحديد عن الديمقراطيين المحسوبين على الرئيس مثل السيناتور إليزابيت وارن والسيناتور ريتشارد بلومنتول وغيرهما.
تاريخياً لم يسبق أن شغل هذ المنصب سوى جنرالان متقاعدان، وهما جورج مارشال في إدارة الرئيس هاري ترومان في أواخر 1950، وقبل أربع سنوات في بداية رئاسة دونالد ترامب الذي جاء بالجنرال جيمس ماتيس إلى الدفاع، والذي لم يحظ بتأييد واسع من المجلس رغم سيطرة الجمهوريين عليه. ويحتاج منح عسكري محترف حقيبة وزارية قبل مرور 7 سنوات على تقاعده، إلى إعفاء خاص من مجلس الشيوخ، كشرط لضمان إبعاد العسكر عن السياسة إلا في الحالات الاستثنائية اللازمة. ومن هنا الاعتراض على أوستن كجنرال وليس ككفاءة. وحسب الديمقراطيين، ما كان هناك ما يوجب على بايدن اقتفاء أثر ترامب في هذا الخصوص واختيار عسكري لم يفت على تقاعده سوى 4 سنوات لتسلم هذه الحقيبة.
لكن يبدو أن للرئيس الأميركي المنتخب حساباته المحلية الأخرى. فثمة علامات استفهام مبطّنة حول ما إذا كانت الاعتبارات السياسية قد تقدمت في هذا التعيين على المعايير والمواصفات الأساسية الأخرى. ومن أبرز اعتبارات بايدن أنه حصر معظم تعييناته بمن يرتاح إليهم وسبق أن عملوا معه عندما كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما، وبما يؤشر إلى وجود نية بإعادة إنتاج النهج السياسي لإدارة أوباما في مجالي الأمن القومي والسياسة الخارجية.
وكان الجنرال أوستن قد تعاون مع بايدن أثناء تولي الأول لعملية الانسحاب من العراق في العام 2011. ولا يبدو من دون مغزى أن يشير بايدن في تصريح له إلى أن الجنرال المتقاعد “يعرف كلفة الحروب”. ومن المعروف أن موقفه من العراق اتسم بالتذبذب حيث تراوح من تأييد الغزو في 2003 إلى التراجع عنه، مروراً بطرح وصفة تقسيمه.
والأهم في هذا التعيين الذي يأتي في سياق تغليب الأقليات والملونين في تشكيل إدارة بايدن، أنه الأول لأميركي من أصول إفريقية قد يتولى حقيبة الدفاع، من بين 6 عسكريين من الأصول نفسها وصلوا إلى رتبة جنرال في الجيش الأميركي. الأمر الذي سوف يرتبط باسم الرئيس المنتخب كصاحب هذه الخطوة الريادية التي تعطي الصدقية لشعاره الذي طالما ردده بأنه الأقرب إلى هموم الأقليات خصوصاً الأميركيين من أصول إفريقية وتبني مظالمهم وقضاياهم.
كما أن هذه السابقة تنطوي في حساباته، على شيء من “رد الجميل” للأميركيين من أصول إفريقية الذين لعبوا الدور الرئيسي في رفعه إلى موقع المرشح الحزبي المتقدم بين الديمقراطيين من خلال ولاية ساوث كارولينا التي ضمنت مساندة النائب الديمقراطي الأسود والبارز جيمس كلايبورن، فوزه فيها في الانتخابات الحزبية والتي كانت بمثابة نقطة الدفع التي حملته إلى الترشيح ضد ترامب.