وطنا اليوم:وسط توقعات أممية بازدياد استخدام المياه عالميا بنحو 1 % سنويا، خلال الأعوام الثلاثين المقبلة، وارتفاع إجمالي الاعتماد على المياه الجوفية، تستهلك المملكة من المياه الجوفية المتجددة وغير المتجددة حوالي 600 مليون متر مكعب سنويا من الموازنة الكلية للمياه والبالغة حوالي 1.15 مليار متر مكعب، في حين لا يتجاوز الحد الآمن على 275 مليون متر مكعب سنويا، وبذلك يبلغ استهلاك المملكة ضعف هذا الرقم.
وفيما أوصى أحدث إصدار لتقرير الأمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية بعنوان “المياه الجوفية: إماطة اللثام عن المستور”، والذي أصدرته “اليونسكو” نيابة عن لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية، بضرورة أن تكون تحسين طريقة استخدام وإدارة المياه الجوفية، أولوية ملحة في سياق تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول العام 2030، أكد وزير المياه والري الأسبق حازم الناصر ضرورة المحافظة على استمرارية المياه الجوفية لتبقى رادفا لتزويد مياه الشرب خاصة في الأردن.
ودعا التقرير الصادر تزامنا مع اليوم العالمي للمياه للعام الحالي 2022، صانعي القرار لمراعاة السبل الحيوية التي يمكن من خلالها للمياه الجوفية أن تساعد على ضمان قدرة حياة البشر وأنشطتهم على الصمود في مستقبل يصبح فيه المناخ غير قابل للتنبؤ بصورة متزايدة.
وأوصى الناصر، رئيس منتدى الشرق الأوسط للمياه، في تصريحات، بضرورة اتخاذ إجراءات للمحافظة على المياه الجوفية، من ضمنها، ضبط عمليات الحفر المخالف للآبار الجوفية في المملكة والحد منها، وتركيب العدادات على الآبار الزراعية والصناعية، وحصر وتحديد عدد الآبار المخالفة بالمملكة حسب المناطق والمحافظات وردمها.
كما أوصى إلى جانب ذلك، القيام بمراقبة وضبط صهاريج نضح المياه العادمة التي تقوم برمي مخلفاتها في المناطق غير المخصصة لهذه الغاية، والقيام بعمليات التفتيش على أجهزة ومراقبة المياه الجوفية والسطحية خوفا من العبث بها، والاستمرار في حملة إحكام السيطرة على مصادر المياه، وزيادة الاعتماد على المياه الجوفية العميقة الواعدة والتي تحوي كميات كبيرة من المياه للسماح للأحواض الجوفية السطحية من استرداد توازنها وشحنها بالمياه.
وأكد الناصر، أهمية التوسع باستخدام وتطوير المصادر المائية غير التقليدية، كإعادة استخدام المياه العادمة وتحلية مياه البحر، والتوسع في الحصاد المائي وبناء السدود، مهما كانت الكلفة، ومنح الموضوع الأولوية القصوى، بالإضافة لإدخال التكنولوجيا في الزراعات التي تعتمد على آبار المياه واتباع طرق زراعية حديثة كالزراعات المائية التي توفر المزيد من المياه.
وانتقد الناصر عدم رغبة الغالبية بمعرفة المزيد عن مشاكل نضوب المياه الجوفية كونها، أي المياه الجوفية، غير مرئية بالعين المجردة بالإضافة لكون أمرها فنيا في غاية التعقيد يصعب فهمه من قبل معظم السياسيين، وبالتالي تتجنب بعض الحكومات، الخوض بتفاصيلها، لاسيما وأن أثر نضوبها بعيد المدى.
في ذات السياق، فان التقرير يؤكد في محور تساؤله حول “هل يجثم حل أزمات المياه تحت أقدامنا مباشرة؟”، ضرورة التزام الدول بوضع سياسات ملائمة وفعالة لإدارة المياه الجوفية وحوكمتها، بغرض التصدي لأزمات المياه الراهنة والمستقبلية في جميع أنحاء العالم.
واستبعد التقرير أن يكون نضوب موارد المياه الجوفية (المتواجدة بوفرة في أحيان كثيرة)، السبب الذي يحول دون تعزيز تطوير استخدام المياه الجوفية، منوها لأن سبب ذلك يتمثل في نقص الاستثمار بالبنى الأساسية والمؤسسات وتدريب المهنيين ونشر المعارف بشأن المياه الجوفية.
وأشار التقرير لدور مساهمة تطوير استخدام المياه الجوفية لتكون عاملا حافزا للنمو الاقتصادي عبر زيادة رقعة المناطق المروية بما يفضي لتحسين الغلة الزراعية وتنوع المحاصيل.
وبين التقرير أن ذلك يتطلب “الصمود في وجه تغير المناخ، فيُمكن تسخير قدرة نظم خزانات المياه الجوفية على تخزين فائض المياه السطحية الموسمية أو العرضية، لتعزيز توافر المياه العذبة على مدار العام”، نظرا لكون طبقات المياه الجوفية تتكبد خسارة كميات أقل من المياه التي تفقد بالتبخر مقارنة بالخسائر المسجلة في البنى الأساسية السطحيّة.
واقترح التقرير جملة إجراءات ينبغي القيام بها لاستغلال إمكانيات المياه الجوفية استغلالاً كاملاً، وهي جمع البيانات، خاصة وأن النقص في البيانات المتعلقة بالمياه الجوفية، ومبادرات رصدها، ما تزال “مجالا مهملا”، بحسبه، بالإضافة لتعزيز الأنظمة البيئية وضرورة تجنب تلوث المياه الجوفية، فضلا عن تعزيز الموارد البشرية والمادية والمالية، ما يعيق التخطيط الفعال للمياه الجوفية، وبالتالي ضرورة التزام الحكومات ببناء القدرات المؤسسية في مجال المياه الجوفية.
وفي هذا الإطار، بين الناصر أن الضخ الجائر للأحواض المائية الجوفية أدى لنضوب معظم الأحواض الجوفية وتملحها، مما أصبح يشكل تهديدا حقيقيا للأمن المائي الأردني والمتمثل بقلة التزويد المائي للمواطنين.
وعلل الناصر الأسباب الحقيقية وراء مشكلة الضخ الجائر للأحواض المائية والتي تم استغلالها كثيفا، للضخ بمعدلات عالية ما أدى إلى هبوط مستمر في المناسيب عندما تتجاوز “السحب الآمن”، وبالتالي أدى لتدهور في نوعية المياه.
ولخص الناصر العوامل المؤدية لهذا الاستنزاف في، منح رخص آبار دون رقيب أو حسيب، حيث كانت تمنح رخص الآبار ولغاية العام 1992 دون دراسة امكانيات الطاقة التخزينية لكل حوض مائي، واستغلال أصحاب الآبار الزراعية المياه الجوفية بكميات تفوق بكثير ما مسموح به حسب رخص الاستخراج، علما بأنه إذا تم التقيد برخص الاستخراج فإنه سيتم توفير ما معدله 130 مليون متر مكعب سنويا، والحفر غير المشروع للآبار في كافة مناطق المملكة، وعدم تفعيل القوانين والأنظمة الخاصة بالآبار ومراقبة المياه الجوفية من قبل بعض الحكومات وغض الطرف عن المخالفات
المياه الجوفية.. الأردن يستهلك ضعف الحد الآمن عالميا
