هل تحيز مجلس النواب لصالح الطبقة المخملية على حساب الطبقة المعدمة؟

3 سبتمبر 2021
هل تحيز مجلس النواب لصالح الطبقة المخملية على حساب الطبقة المعدمة؟

العميد المتقاعد زهدي جانبيك

قانون المخدرات امانة بأعناقكم

من الناحية القانونية، لا افهم سببا يجعل سرقة جوز حمام سابقة جرمية قضائية تلاحق مرتكبها طيلة حياته ولا يتم اعتبار جريمة تعاطي المخدرات سابقة قضائية بحق من يرتكبها، اللهم الا ان كان السبب تمييزا واضحا ضد من يدفعه فقره الى سرقة لقمة يأكلها تقيم اوده وتحيزا واضحا لصالح طبقة تدفعها قدرتها المالية الى ترف تجربة المخدرات ويتطوع البرلمان للتعاطف معها، مخالفا بذلك ابسط مبادئ الحق والعدالة.

المخدرات آفة المجتمعات وضريبة الحضارات الحديثة. وقد تأثر الأردن كما باقي الدول بهذه الافة الا اننا في بلدنا الحبيب سبقنا العديد من دول العالم في نسب انتشار هذه الافة داخل مجتمعاتنا، والشباب هم الأكثر تضررا والأكثر تعرضا لهذ الخطر القاتل المتمثل بالمخدرات.

ادرك ان هذا الموضوع تم اشباعه بحثا، فلن اطيل هنا بتكرار ما هو معلوم لدى الجميع تقريبا. لكن الأمانة تقتضي التنبيه والتبليغ عما نراه خطرا على مجتمعنا وعلى امتنا خاصة عندما تكون الفئة المستهدفة هي فئة الشباب التي تشكل عماد مستقبل الامة, خاصة واننا في الأردن يموت لدينا ما معدله عشرة شباب سنويا بسبب تعاطي المخدرات.

ولكن ما يهمنا فعلا كمواطنين هو تأثير تعديل القانون على السلوك العام في كلا جانبي المعادلة: والجانب الأول هو جانب الطلب على المخدرات، والمتمثل بالتعاطي والشراء والحيازة. والجانب الثاني من المعادلة المتمثل بالعرض ويشتمل الى الإنتاج والزراعة والتصنيع والاستيراد والتهريب والبيع.

من المعلوم بداهة ان مهمة القانون هي الردع الخاص لمرتكب الجريمة والردع العام لمنع ارتكابها من الاخرين. سواء كان ذلك في جانب العرض او الطلب، ولذلك عالج القانون جريمة المخدرات من المنبع الى المصب وعاقب جميع المتدخلين او المتورطين في هذه الجريمة بعقوبة تتناسب مع مدى خطورة الفعل الذي يرتكبه كل منهم.

الحوار الدائر حاليا حول تعديل قانون المخدرات سببه الرئيسي الخلط بين جانبي المعادلة ومنح المتورطين بالتعاطي فرصة التدخل في عمليات العرض دون التعرض لنفس العقوبات الصارمة التي فرضها القانون على من ينتج او يزرع او يصنع او يهرب المخدرات.

المادة 14 من القانون رقم 11 لسنة 1988 تتعلق بعمليات تعاطي واستخدام المخدرات وتنص على ما يلي:

أ- يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن الف دينار ولا تزيد على ثلاثة الاف دينار كل

من تعاطى او استورد او انتج او صنع او حاز او احرز أيا من المواد المخدرة والمؤثرات العقلية بقصد تعاطيها ويعاقب بالعقوبة

ذاتها كل من زرع او اشترى أيا من النباتات التي تنتج منها المواد المخدرة والمؤثرات العقلية لتعاطيها وفي حال تكرار

هذه الافعال يعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ويعتمد لإثبات التكرار صدور حكم على الفاعل في أي جريمة من الجرائم

المنصوص عليها في هذه المادة بما في ذلك الاحكام القضائية الاجنبية.

ب- للمحكمة عند النظر في أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الفقرة (أ) من هذه المادة ان تتخذ بحق الجاني أيا من

الاجراءات التالية بدلا من الحكم عليه بالعقوبة المنصوص عليها في تلك الفقرة وذلك وفقا لما تراه ملائما لحالته.

1- ان تأمر بوضعه في احدى المصحات المتخصصة بمعالجة المدمين على تعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية للمدة التي

تقررها اللجنة المعتمدة لفحص الموضوعين في المصح رهن المعالجة.

2- ان تقرر معالجته في احدى العيادات المتخصصة في المعالجة النفسية والاجتماعية للمدمنين على تعاطين المواد المخدرة

والمؤثرات العقلية والتردد عليها وفقا للبرنامج الذي يقرره الطبيب النفسي او الاختصاصي الاجتماعي في العيادة.

ج- تتم معالجة المدمين على تعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية المبينة في هذه المادة وفقا للأحكام والاجراءات

المنصوص عليها في النظام الصادر بمقتضى هذا القانون لهذه الغاية على ان ينص في النظام على مراعاة السرية التامة في

هوية الاشخاص الذين تتم معالجتهم وفي أي معلومات او وقائع تتعلق بهم وذلك تحت طائلة معاقبة من يفشي تلك المعلومات

بالحبس لمدة لا تزيد على سنة واحدة وبغرامة على 500 دينار.

د-لا تقام دعوى الحق العام على من يتعاطى المواد المخدرة والمؤثرات العقلية او يدمن عليها اذا تقدم، قبل ان يتم ضبطه

، من تلقاء نفسه او بواسطة احد اقربائه الى المراكز المتخصصة للمعالجة التابعة لاي جهة رسمية او الى ادارة مكافحة

المخدرات او أي مركز امني طالباً معالجته.

وعلى الرغم من التعديلات التي طرأت عام 2003 على القانون رقم 11 لسنة 1988 فمن حسن حظنا انه لم يتم المساس بهذه المادة التي تتعلق بالتعاطي، وبقي الشعور العام السائد ان تعاطي المخدرات يؤدي الى عواقب وخيمة من حيث العقوبة ومن حيث المستقبل بسبب القيود الجرمية الناتجة عن جريمة تعاطي المخدرات، على الرغم من ان المشرع ابقى الباب مفتوحا للقضاء لاستبدال عقوبة الحبس ب إجراءات العلاج في المراكز العلاجية المتخصصة المعتمدة كما هو واضح بنص المادة 14 اعلاه.

ولذلك، وبسبب حصافة المشرع سابقا فقد بقيت الزيادة السنوية في عدد المتعاطين ضمن معدلات منخفضة في ظل هذا القانون، وبقينا بعيدين عن تصنيف الأردن كدولة مستهلكة للمخدرات حيث لم يتجاوز عدد المتعاطين للمخدرات4181 متعاطي عام 2012 ثم بدأت الفذلكات والعبث بالقانون دون أي داع، حيث تم تعديل المادة 14 منتصف عام 2013 بإضافة النص التالي اليها:

المادة (2): تعدل الفقرة (د) من المادة (14)من القانون الاصلي باعتبار ما ورد فيها البند (1)منها واضافة البند (2) اليها بالنص التالي:- 2- على الرغم مما ورد في الفقرة (أ) من هذه المادة لا تقام دعوى الحق العام على كل من ضبط متعاطيا للمرة الاولى للمواد المخدرة والمؤثرات العقلية على ان يتم تحويله للمعالجة في المركز المتخصص التابع لإدارة مكافحة المخدرات أو أي مركز علاجي آخر يعتمده وزير الداخلية وذلك خلال اربع وعشرين ساعة من القاء القبض عليه، وان يتم قيد اسمه في سجل خاص لديها وفق تعليمات يصدرها وزير الداخلية لهذه الغاية، ودون ان يعتبر هذا الفعل سابقة قضائية بحق مرتكبه.

وبمجرد صدور هذا التعديل ارتفع عدد المتعاطين بنهاية 2013 بنسبة 40% ليصبح 5881 ويرتفع عام 2014 بنسبة 54% ويقفز الى 9085 متعاطي فجأة، وكما يلاحظ أي عاقل فان ذلك التعديل الاجرامي بالقانون والمتمثل بإلغاء الملاحقة القضائية للمتعاطين تسبب بمضاعفة عددهم بالمملكة خلال سنة واحدة فقط، وادى الى انتعاش هذه التجارة الاجرامية بمستقبل شباب الوطن.

وبعد إزالة هذا التشوه الاجرامي في القانون عام 2016 عادت نسبة الزيادة في المتعاطين الى الاستقرار وتمت السيطرة عليها نسبيا، وبقيت مسألة عدم اعتبار فعل تعاطي المخدرات سابقة قضائية حجر عثرة في سبيل تحقيق مبدأ الردع الخاص والردع العام لقانون المخدرات الامر الذي تسبب في زيادة عدد جرائم تعاطي المخدرات بنسبة 447% خلال عقد واحد من الزمن على الرغم من ان النسبة العالمية لزيادة جريمة التعاطي حسب احصائيات الأمم المتحدة لم تتجاوز 22% بين عامي 2010 و 2020 واصبحنا بذلك اقرب الى تصنيفنا كدولة مستهلكة للمخدرات.

وعودة الى التعديلات المطروحة حاليا على قانون المخدرات فان اخطر ما فيها هو الاستمرار في التشوه الذي تم اقراره عام 2013 والذي تسبب بهذه الكارثة للأردن والمتمثل بالاستمرار بعدم اعتبار تعاطي المخدرات سابقة قضائية جرمية، وإعطاء الشباب ذلك الشعور الكاذب بانه لن تكون هناك تبعات مستقبلية على تجربة المخدرات، والتسبب بفقدان عنصر الردع في القانون.

ولا اعلم سببا يدعو الى التعاطف مع من يتعاطى المخدرات بحيث يتم التسامح معه ان زرع او صنع او انتج او اشترى او هرب او خزن المخدرات بقصد تعاطيها، ولا نتشدد في محاسبته كما نحاسب المنتجين والتجار. كما انني لا افهم لماذا يلجأ مجلس النواب الى تخفيض الحد الأدنى للعقوبة لتصبح شهرا واحدا قابلا للاستبدال بغرامة في حال تعاطي المواد المدرجة في الجدولين (3) و (9) الملحقين بالقانون، وتخفيضها الى 3 اشهر قابلة للاستبدال بالغرامة لمن يتعاطى المواد المدرجة بالجدول رقم (10) الملحق بالقانون، بعد ان كان الحد الأدنى في القانون أربعة اشهر غير قابلة للاستبدال بالغرامة؟؟؟ اليس في هذا تشجيعا للمتعاطين للتدرج في تعاطي المواد المخدرة عندما يعلموا بانهم لن يتعرضوا لاي اجراء عقابي نتيجة فعلهم الاجرامي، وان أموالهم قادرة على حمايتهم من العقوبة واستبدالها بالغرامة.

نرجع الى مقولة حبيبنا المشهورة، حمى الله الأردن والبشرية جمعاء.