وطنا اليوم:في إربد، شمال العاصمة الأردنية عمان، أوقفت البلدية حافلة تبيع المثلجات بطريقة مبتكرة، بحجة “الإزعاج” الذي تسببه موسيقى صادرة عنها، وهو ما يبدو حدثا عاديا للوهلة الأولى، ولكن ليس في بلد بلغت في نسبة البطالة بين الشباب 50 بالمئة.
ووفقا لبيانات البنك الدولي، الصادرة الاثنين، فقد انكمش الاقتصاد الأردني بنسبة 1.6 بالمئة في 2020، وارتفع معدل البطالة ليصل إلى 24.7 بالمئة في الربع الأخير من ذلك العام، لكنه بلغ في صفوف الشباب تحديدا قاعا غير مسبوق، بواقع 50 بالمئة.
عبد الرحمن القصراوي، وأحمد الزبيدي، ابتكرا مشروع “باص البوظة”، بعد أن شاهدا الفكرة في إحدى الدول الأوروبية، إلا أن مشروعهم -الذي حاولا من خلاله البحث عن فرصة لكسب الدخل- اصطدم بجدار القرارات الرسمية المعيقة للمبادرات الشبابية.
وأثار إيقاف مشروع الشابين سخطا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وأطلق ناشطون وسما للتعبير عن رفض قرار البلدية، تحت اسم #لا_لإيقاف_باص_البوظة، منددين بعرقلة مشاريع الشباب.
وتوقع البنك الدولي ارتفاع معدلات الفقر في الأردن لتصل إلى نسبة 26.7 بالمئة، بارتفاع قدره 11 نقطة، بعد أن كان عند حدود 15.7 بالمئة.
ورغم الوعود الحكومية بالتشغيل والتوظيف، إلا أنها لم تنعكس على أرض الواقع، إذ تشكل البطالة أكبر الهواجس للمملكة التي دخلت في مئويتها الثانية، ويعاني اقتصادها من جيوش المتعطلين المحبطين، ونمو متواضع، تحول إلى انكماش مع جائحة كورونا التي رفعت أيضا مديونية المملكة الداخلية والخارجية.
رئيس مركز بيت العمال، حمادة أبو نجمة، يقول، إن “نسبة البطالة التي تحدث عنها البنك الدولي 50% هي بين فئة الشباب من سن 20 إلى 24 عاما، لكن هناك فئة بعمر 19 عاما وأقل، ونسبة البطالة بينهم مرتفعة جدا تصل إلى 62 بالمئة، ويقاس نجاح السياسات الحكومية بالتصدي للبطالة من خلال تمكنها من استيعاب الخريجين الجدد في سوق العمل”.
ودعا أبو نجمة الحكومة لخلق برامج لتمكين الشباب مهاراتيا ومهنيا لاستيعابهم بسوق العمل، قائلا: “للأسف نحن نهمل فئة الشباب، ونهتم بالفئة الأعلى التي يصعب عليها اكتساب المهارات، الحكومة الحالية لم تلتفت إلى موضوع البطالة نهائيا، ولم تعلن عن أي برامج للتشغيل.. وحتى لم تضع برامج لتحقيق النمو الاقتصادي، وكأنها حكومة تسيير أعمال”.
وعمّقت “كورونا” من الأزمة الاقتصادية، وبحسب المرصد العمالي الأردني تسببت الجائحة والإغلاقات المتعددة إلى خسارة أكثر من 140 ألف وظيفة، وزيادة نسبة البطالة بشكل كبير.
البداية من الإصلاح السياسي
المحلل الاقتصادي والسياسي، فهمي الكتوت، يرى أن الحل في مشاكل الأردن الاقتصادي يبدأ من الإصلاح السياسي.
و قال : “نسبة البطالة بين الشباب رقم غير مسبوق، وهذا من تداعيات فشل السياسات الحكومية الاقتصادية.. لا يوجد أي توجه حقيقي لمواجهة الأزمة، بل إن الحكومة أغمضت عيونها عندما قدمت موازنة 2020-2021، وقال وزير المالية إننا نقدم موازنة على أساس أن الاقتصاد الأردني خرج من أزمته”.
وأضاف الكتوت: “لم يعد الاقتصاد قادرا على استيعاب الجائحة، وتوقف العمل في قطاعات كثيرة تعرضت للإفلاس، لم يكن هناك جاهزية للتعامل مع الأزمات، والقادم أسوأ.. الفقر والبطالة يولدان انكماشا في الاقتصاد العاجز عن المنافسة، بالإضافة لغياب الاستثمار الأجنبي”.
وتابع: “لا توجد حلول عاجلة، والحل الوحيد هو التوجه نحو ديمقراطية حقيقية، ومجيء فريق جديد لمجلس النواب يعكس إرادة الشعب وحكومة مفوضة من الشعب من خلال المجلس، وتضع خططا جديدة ونهجا وسياسات جديدة”.
تحذيرات.. وتشاؤم شعبي
وحذر حزب جبهة العمل الإسلامي من خطورة ما كشفه تقرير البنك الدولي حول ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب الأردني بشكل غير مسبوق، “ما يدق ناقوس الخطر، ويشكل مؤشرا خطيرا على تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وفشل الاستراتيجيات التي وضعتها الحكومات المتعاقبة لمواجهة هذا الملف”.
ويرى الحزب في بيان صحفي، أن “الارتفاع غير المسبوق في نسب البطالة دليل على افتقار السياسات الحكومية لأي خطة حقيقية لمواجهة هذه الظاهرة، واستمرار الحكومة في نهج الجباية بعيدا عن أي رؤية اقتصادية شاملة ومتكاملة، ما يرشح بتفاقم المشكلات الاقتصادية، وتزايد ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والجريمة، الأمر الذي يتطلب مراجعة جادة للنهج الذي تدار به مؤسسات الدولة، وفتح حوار وطني جاد وفاعل لوضع استراتيجية وطنية لمعالجة الملف الاقتصادي، بما في ذلك مشكلة البطالة”.
وزارة العمل الأردنية، بدورها، اعتبرت أن تخفيض نسب البطالة يحتاج إلى جهد وطني مشترك.
وقال الناطق باسم الوزارة، محمد الزيود إن “تخفيض نسب البطالة يحتاج أيضا تحفيز البيئة الاستثمارية لجذب مزيد من الاستثمارات التي تولد فرص عمل”.
ويعزو الزيود ارتفاع نسب البطالة، خصوصا في صفوف الشباب، لعدة عوامل، منها “تراجع النمو الاقتصادي، وتداعيات جائحة كورونا التي أثرت سلبا على كل اقتصاديات دول العالم”، مبينا أن “الأرقام الصادرة عن دراسة البنك الدولي هي أرقام موجودة وصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، لكن تقرير البنك ركز على الفئة العمرية الخاصة بالشباب التي تشهد نسب بطالة أعلى”.
وأضاف: “وزارة العمل تقوم من خلال دورها في تنظيم السوق، وحصر الكثير من المهن فقط بالأردنيين، وتوقيع اتفاقيات تشغيل مع شركاء الوزارة في القطاع الخاص، وزيادة جاذبية بعض المهن التي يعزف عنها الشباب في قطاعي الإنشاءات والزراعة من خلال إدخال المكننة، أي دخول الآلات الحديثة إلى هذه المهن لتصبح جاذبة للشباب الأردني”.
وتابع: “تقوم الوزارة من خلال صندوق التنمية والتشغيل بتقديم القروض للمشاريع المتوسطة والصغيرة، والتي توفر فرص عمل أيضا للشباب، علما بأنه تم جدولة القروض للمستفيدين من الصندوق خلال جائحة كورونا”.