وطنا اليوم:تاجر مدين متعثر، صاحب اطول مدة عقوبة حبس لسجين دين مدني، مطالب بـ 51 الف دينار في عدد كبير من القضايا المالية، وصلت احكام السجن فيها الى 65 سنة، قضى منها عشر سنوات، ومنذ ايام خرج بموجب أمر الدفاع رقم 28، الذي اوقف حبس المدين مؤقتا الى حين عودة العمل بالقانون الاصلي، ما يعني انه وبمجرد وقف العمل بقانون الدفاع والذي يتوقع ان لا يتأخر كثيرا فور استتباب الامر وتراجع مخاطر جائحة كورونا والعودة لفتح القطاعات، سيعود للسجن حتما، ما لم تحصل معجزة.
اكثر ما يثير الاستغراب في قضايا هذا الرجل، ان اصغر قضية حكم بها سنة سجن، كانت لاجل مبلغ 375 دينارا فيما اكبرها 2700 دينار، اي انه لن يكون بمقدوره الخروج من السجن مدى الحياة طالما لم يسدد ديونه، وهي مسألة قانونية في غاية التعقيد، بحيث يطلب من السجين تسديد ديونه وهو داخل محبسه دون ان يكون قادرا على ممارسة العمل!.
هذا التاجر، يجد تعاطفا مع كل من يعرف تفاصيل قضاياه والمصير الذي آل اليه، والذي بالمقدور تصنيفه ضحية مهنته ومجال عمله في الاستيراد والتصدير وتعامله مع تجار من العراق وسوريا لفترة طويلة، لكن في آخر صفقة خرج شركاؤه ببضاعته بلا عودة ودون تسديد قيمتها، وسط اعتقاد بان الازمتين الطاحنتين اللتين دخل بهما العراق وسوريا في تلك الفترة، ربما تكونان سبب عدم وفاء شركائه بالدين، ليتحمل الرجل تبعات هذه الصفقة ماليا واسريا وكل ما ترتب عليها من مآسي.
بكل الاحوال، فان ايراد «الدستور» لحالة هذا التاجر المتعثر، الذي باع كل ما يملك دون ان تكون كافية لسداد ديونه، نأمل ان تفتح بابا لنقاش قانوني يسفر عن تعديلات ضرورية على القوانين المعنية التي وصفها الكثير من القانونيين بالمجحفة، بحيث تتيح للمتعثر آلية لسداد ديونه، افضل من بقائه في الحبس مدى الحياة دون ان يتمكن الدائن من استرداد امواله.
وتاليا نص الحوار مع صاحب أطول مدة حبس لسجين دين مدني في الأردن ناصر يوسف عبد الفتاح سلامة.
** الدستور: قبل أن تتعثر مالياً وتدخل السجن ماذا كانت طبيعة عملك؟ .
– ناصر: كنت اعمل في الاستيراد والتصدير في مجال الخضار والفواكه، ومن حوالي 12 سنة دخلت بشراكة مع سوريين وعراقيين، وكانت الامور جيدة في البداية، لكن في آخر عملية قاموا بتحميل البضاعة وخرجوا بها ولم يعودوا، وكنت قد كتبت شيكات لأشخاص بمبالغ كبيرة، مجموعها حوالي 130 ألف دينار.
** الدستور: ماذا فعلت مع الدائنين؟ .
– ناصر: حاولت الانتهاء من القضايا الصغيرة، ونجحت في ذلك، فهناك من سامحني بنصف المبلغ أو ربع المبلغ، بيد ان هناك قضايا لم أستطع الانتهاء منها، اذ بعدها قمت ببيع كل ما أملك لتسديد الديون لتجنب دخول السجن، لكن في النهاية لم أستطع السيطرة.
** الدستور: كم بقي من مجموع الديون عليك؟ .
– ناصر: تقريباً 51 ألف دينار.
** الدستور: هذه القضايا المسجلة عليك بهذا المبلغ، هل هي شيكات؟ .
– ناصر: جميعها شيكات، وأمضيت على هذه الشيكات تقريباً عشر سنوات وأربعة أشهر في السجن، بشكل متواصل.
** الدستور: ألم يكن هناك أحد يراجع اثناء هذه الفترة أو محامي يقدم أو يقوم بعمل دمج لهذه العقوبات؟ .
– ناصر: لم يكن هناك أي شيء، ووصلت الى مرحلة لم استطع فيها أن أدفع للمحامي، ولم يكن لدي أحد.
** الدستور: اذن كيف تمكنت ونجحت بالخروج من السجن، مع ان رسوم وكالة المحامي 52 دينارا لكل قضية، وفي القانون كان بالامكان عمل دمج، لكن ما وقف حائلا هو القضايا التنفيذية في القانون القديم، اذ كانت كل قضية يحبس عليها 90 يوما، ما يعني انه بمجموع القضايا عليك كنت ستبقى في السجن مدى الحياة.
– ناصر: كان بتيسير من الله أولاً ثم المحاميين: الأستاذ عيسى الوحش والأستاذ الدكتور إبراهيم الطهاروة، وزارني في السجن الأستاذ عيسى وحصل مني على وكالات وأخبرني بأنه سيحاول قدر المستطاع إخراجي من السجن.
** الدستور: هل تم الاستعانة بأمر الدفاع رقم 28 والذي يوقف حبس المدين لغاية نهاية السجن.
** ناصر: لكن بعد عودة القانون سأعود إلى السجن لمدة طويلة جداً، فأتمنى من الله أنا وغيري أن لا يجربوا هذه التجربة التي خضتها.
** الدستور: حدثنا عن تجربتك في السجن خلال السنوات العشر؟ .- ناصر: لله الحمد جهاز الأمن لم يقصر معي لا طبياً ولا نفسياً ووقفوا معي وقفة تعاطف وتراحم معي بسبب مدتي الطويلة، وأيضا بسبب حسن سلوكي فحاولوا مساعدتي قدر المستطاع.
** الدستور: أهلك وأسرتك كيف عاشوا خلال فترة مكوثك في السجن؟ .
– ناصر: بعت منزلي وعفش البيت، وزوجتي تعيش في منزل أهلها مع ابننا الوحيد، ابني كان عمره ثلاث سنوات عندما دخلت السجن والآن عمره 13 سنة، فابني عندما كان عمره 3 سنوات فقد والده لمدة عشر سنوات بسبب هذه الديون، وهي مبلغ 51 ألف، ولو كنت خارج السجن في هذه السنوات العشر لكنت اشتغلت وسددت هذا المبلغ، فلا أنا خرجت من السجن ولا الدائنين حصلوا على أموالهم، فأنا الآن أجلس عند والدتي وهي كبيرة في العمر، فلا يوجد لي لا منزل ولا عمل ولا أي شيء.
** الدستور: بعد خروجك الآن من السجن، هل هناك مجال لك للعمل؟ .
– ناصر: لا أستطيع، أنا محطم نفسياً والوضع سيء، ولو حصلت على راتب ألف دينار لن اتمكن من سداد الديون والصرف على بيتي وعلى نفسي، لذلك عودتي للسجن مرة ثانية باتت محتومة، الا اذا كانت هناك وقفة إنسانية ووقفة تراحم وعطف.
** الدستور: أثناء تواجدك في السجن هل كان هناك حالات مشابهة لحالتك؟ .
– ناصر: عددها قليل، فهناك مثل حالتي، عدد من المدينين سجنوا بين 3 الى 7 سنوات، وكانت مبالغهم قليلة وخرجوا السنة الماضية بموجب أوامر الدفاع.
** الدستور: هل تعتقد أن القانون منصف بحق المدين والمتعثر حسب القوانين التي كانت سارية؟ .
– ناصر: حسب القانون، الأفضل أن تدمج العقوبة بسنة واحدة، بحيث يتم دمج القضايا ويحبس المدين سنة واحدة ويخرج ليستطيع أن يعمل ويسد ديونه.
** الدستور: هل مبلغ الـ51 ألفا في قضية واحدة؟ .
– ناصر: لا، بل بعدة قضايا، فهناك مبلغ 375 دينارا محكوم به سنة، وهناك مبالغ أخرى بسيطة جداً وكان يتم محاكمتي سنة سجن عن كل قضية، فبالقضايا حكمي 65 سنة في عدة قضايا وجميعها مالية، شيكات، وكان أكبر مبلغ علي هو 2700 دينار، وبقيت كل هذه المدة على هذه المبالغ البسيطة. حالياً مضى علي حوالي خمسة أيام خارج من السجن ولا يوجد لي أحد، حيث أن أخي يقوم بالصرف علي وأجلس في منزل والدتي، وزوجتي وابني في منزل أهل زوجتي.
** الدستور: خلال هذه الفترة هل تستطيع التواصل مع الدائنين وتحل مشاكلك، لانه إذا انتهى أمر الدفاع وعاد القانون ستعود للسجن ولن تخرج مرة أخرى ؟.
** ناصر: هذا صحيح، أنا الآن عاجز عن التفكير، فبعد خروجي من السجن لم اعد قادرا حتى على التعامل مع ابني، فهو يتقبلني، ولكن أشعر بأنني غريب على جميع أهلي، فوضعي سيء، وهذا كله جراء ديون بسيطة. الدستور