وطنا اليوم:بعد وصولها لـ1.4 مليار دولار.. الشيكات المرتجعة تهدد تجار وصناعيي الأردن بالإفلاس؛ فهل تؤشر على عمق أزمة السيولة بالأردن؟
كعادته في كل عام واستعدادا لموسم العودة للمدارس، استورد تاجر القرطاسية “سامي. ي. ك” حاويات متنوعة من القرطاسية؛ لكن بوصول الحاويات كانت المفاجأة بانتشار فيروس كورونا، وما تبعه من إغلاق للمدارس، ووقف لعمل الشركات والمحال التجارية خلال فترة الحظر الشامل.
أدت تلك الأحداث بحسب حديث سامي إلى تراكم الخسائر، وعدم القدرة على تسديد الشيكات المكتوبة لتغطية تكاليف البضائع، مما اضطره لبيع البضاعة بأسعار لا تساوي 20% من قيمتها، وذلك لتغطية الشيكات المرتجعة والمستعجلة، وفي ظرف شهرين أوشك على الإفلاس بانتظار السجن.
حالة تاجر القرطاسية (سامي. ن. ك) ليست الوحيدة في الأردن، فهنا قصة لمستثمر بقطاع الإسكانات توقف لديه البيع، ولم يتمكن من تسديد القروض البنكية، وعادت عليه شيكات لعدم وجود رصيد، وهناك مستثمر أقام صالة ضخمة للأفراح؛ لكنه لم يستخدمها بسبب الإغلاقات، مما أدى به للهرب خارج المملكة بعد تراكم الشيكات.
مليار دينار شيكات مرتجعة
تتعدد القصص باختلاف تفاصيلها؛ لكنها تشترك في قضية الشيكات المرتجعة بدون رصيد، والتي زادت قيمتها إلى نحو مليار دينار (1.4 مليار دولار) منذ بدء جائحة كورونا في مارس/آذار وحتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضيين، مسجلة ارتفاعا بنسبة 37%، مقارنة بـ700 مليون دينار (مليار دولار) خلال ذات الفترة من عام 2019، وفق بيانات البنك المركزي الأردني مما يؤشر على عمق أزمة السيولة.
الخبير الاقتصادي حسام عايش قال : إن قضية الشيكات المرتجعة مشكلة تاريخية في الأردن، نظرا لحجم التداول الضخم بالشيكات، إذ بلغ في 2019 ما يزيد عن 41 مليار دينار (57 مليار دولار)، وخلال 9 أشهر الماضية من العام الحالي بلغت 25 مليار دينار (35 مليار دولار)، مسجلة تراجعا بسبب انتشار كورونا وتوقف النشاط الاقتصادي.
وبخصوص الشيكات المعادة من قبل البنوك، فقد بلغ عددها 386 ألف شيك خلال الأشهر التسعة الماضية -وفق عايش- زادت قيمتها المالية عن 1.4 مليار دينار (ملياري دولار)، منها 306 آلاف شيك أعيدت بسبب عدم وجود رصيد كافٍ للشيك، تشكل قيمتها مليار دينار (1.4 مليار دولار).
لا وفاء بالالتزامات المالية
تشير هذه الشيكات إلى مشكلة في السيولة، وتتمثل خطورتها بأنها تؤدي لنزاعات وتقاضي بين المتعاملين بها، وتؤشر على وجود مشكلة حقيقة في الوفاء بالالتزامات المالية، وتأخر في دورة رأس المال بين أطراف العملية التجارية.
ويرجع أسباب ارتفاع عدد وقيمة الشيكات المرتجعة -وفق عايش- لجملة من أسباب أهمها، تفشي كورونا وتوقف النشاط الاقتصادي، وانخفاض حركة التبادل التجاري، وتراجع طلب المستهلكين للسلع والبضائع المختلفة، مما يؤشر على أن هناك قطاعات ستفلس وستخرج من السوق، وسيحل محلها قطاعات تجارية أخرى، وهذا الوضع ليس خاصا بالأردن؛ بل على مستوى العالم.
ويعاني قطاع الأعمال الأردني -وفق محللين- من شح كبير في السيولة المتناقصة يوما بعد يوم، مما يؤدي لتعثر وإغلاق منشئات تجارية وصناعية، علاوة على مغادرة تجار وصناعيين للسوق نتيجة الإفلاس.
ضخ سيولة
قدم البنك المركزي الأردني حزمة من الإجراءات الاحترازية لاحتواء التداعيات السلبية لكورونا على أداء الاقتصاد المحلي، أهمها السماح للبنوك بإعادة هيكلة قروض الأفراد والشركات خاصة المتوسطة والصغيرة، وضخ سيولة إضافية للبنوك بقيمة 550 مليون دينار (770 مليون دولار) من خلال تخفيض الاحتياطي النقدي الإلزامي، وتخفيض كلف التمويل، وزيادة الآجال للتسهيلات القائمة والمستقبلية للقطاعات الاقتصادية.
إضافة تأجيل أقساط التسهيلات الائتمانية الممنوحة لعملاء القطاعات الاقتصادية المتأثرة بآثار انتشار فيروس كورونا من شركات وأفراد، مع رفع سقف السلف لجميع القطاعات ليصبح 3 ملايين دينار (4.2 ملايين دولار)، مع الإبقاء على السقف لقطاعي الطاقة المتجددة والنقل عند 4 ملايين دينار (5.6 ملايين دولار).
ضعف القدرات الشرائية
ممثل قطاع الألبسة والمجوهرات في غرفة تجارة الأردن، أسعد القواسمي، قال إن هناك تشوها في عملية التبادل التجاري أدت لمشكلة الشيكات المرتجعة بدون رصيد، هذا التشوه سببه التداول التجاري الضعيف، وتراجع طلب المستهلكين على السلع، وتقديم أولويات الغذاء والدواء على باقي السلع، وضعف القدرات الشرائية عند التجار والمستهلكين.
وتابع القواسمي أن إيرادات التجار من المبيعات، لا تغطي الكلف التشغيلية من إيجارات محال وعمال وطاقة وضرائب وضمان اجتماعي وغيرها، مما دفع ببعضهم لتصفية تجارته والخروج من السوق، وبعضهم هاجر من المملكة نتيجة تراكم الديون، وعدم وجود سيولة مالية لديهم.
الخطر على التجار ما زال موجودا -يقول القواسمي- ويزيد مع الإغلاقات وحظر التجوال الأسبوعي، متوقعا انفجار قضية الشيكات المرتجعة بداية العام القادم، مؤكدا ضرورة تقديم الدعم الحكومي اللازم للمؤسسات الصغيرة، التي عجزت عن تحقيق شروط البنوك في الحصول على قروض ميسرة خلال الفترة الماضية.
ووفق مراقبين، فإن هناك سوء استخدام للشيك من بعض المتعاملين به، خاصة وأن الشيك بالأصل أداة وفاء، وليس أداة ائتمان كما يستخدمه البعض، مما يتطلب تشديدا من البنك المركزي على البنوك في عدم صرف دفاتر شيكات إلا للمستحقين من أصحاب الملاءمة المالية.الجزيرة نت