بقلم: رائد الخشمان
المكان: إحدى بلدات الريف الأردني الزمان: عام 2005
حسنة شابة لطيفة جداً ومهذّبة وملتزمة، هي الأبنة الكبرى لأب وأم يعملان في التربية والتعليم، ولها ثلاث شقيقات وثلاثة أشقاء، تخرّجت حديثاً من الجامعة بتخصص كيمياء، وتعيّنت في بلدتها الريفية كمعلمة علوم للمرحلة الابتدائية. كانت العائلة بالكاد تغطي مصاريفها براتبي الوالدين، ثم أصبحت الظروف حرجة بدخول أخت حسنة وأخيها الجامعة، مما فرض زيادة في المصاريف، وأضطرّ الأب للجوء أحياناً للإستدانة، فكان تعيين حسنة انفراجة للأسرة، ومساعدة لها لتعليم الأبناء، وما يصاحب ذلك من مصاريف نقل ورسوم فصلية وغيرها.
في يوم من الأيام قدمت دورية شرطة للمدرسة، وطلبت من المديرة أن تبلغ حسنة بضرورة مراجعة مركز الشرطة بخصوص شكوى ضدها. أستغربت حسنة عند تبليغها، وأعتقدت بأنه يوجد خطأ ما أو سوء فهم، فهاتفت والدها الذي حضر وأصطحبها الى المركز الأمني. وبعد الاستفسار أجاب الضابط المسؤول بأن شخصاً يُدعى حمدان تقدّم بشكوى لأن المعلمة اعتدت بالضرب على ابنته في الصف السادس، وبعد أخذ ورد تم توقيع حسنة على تعهّد بألا تتعرض لأبنة سالم مرة أخرى. واستغربت حسنة مما جرى خصوصاً وأنها لم تمس الطالبة بأي أذى. وبعد حوالي ثلاثة أسابيع حضرت الدورية مرة أخرى الى المدرسة وطلبت جلب المعلمة حسنة الى مركز الشرطة بنفس الحجة (شكوى أعتداء على طالبة)، بكت حسنة كثيراً وقالت للمديرة أنها لم تمسّ أي الطالبة أبنة المدّعي عليها بسوء، خصوصاً وأن الطالبة مؤدبة ومجتهدة وذكيّة، فلماذا تعاقبها أو تضربها! وكالعادة هاتفت حسنة أبوها وحضر للمدرسة ورفض أن تركب أبنته سيارة الدورية وأخذها بسيارته الى المركز، وحسنة تغالب دموعها. وبعد التحقيق مع حسنة بوجود والدها وخصمها، تم تحويل القضية الى المحكمة هذه المرة، خصوصاً وأن حمدان قد أحضر تقريراً طبيّاً يفيد بتعرّض أبنته الى الضرب على جسمها بسوط أو سلك كهرباء.
وفي الجلسة الأولى أثناء التحقيق مع حسنة بغياب المشتكي، ناقش القاضي حسنة وقال لها: لماذا وقعتي مع هذا الشخص فهو كثير مشاكل، ولدينا العديد من القضايا له ضد الكثيرين؟ فأجابت حسنة: “أنا لم أضرب أبنته؟ ولا أعرف لماذا يدّعي علي؟” وبعد حوالي أربعة جلسات في المحكمة، والاستماع لشهادة أبنة حمدان التي لقّنها والدها ماذا تقول بالضبط، قرر القاضي تحويل حسنة الى السجن لمدة 14 يوم على ذمة التحقيق بعد حلف اليمين من قبل طرفي القضية، حيث حلفت حسنة اليمين (صادقة) بأنها لم تضرب أبنته بسلك كهربائي في غرفة صفيّة مغلقة ولوحدهما أثناء الفسحة، وحلف حمدان (كاذباً) بأن المعلّمة ضربت أبنته بالسلك الكهربائي، وكانت حسنة تحذّره عند حلف اليمين راجيةً إياه عدم الحلف، لعلمها بأنه يكذب، ولكنه أصرّ على ذلك. وعند سماع حكم القاضي بتحويل حسنة الى السجن، أصابت حسنة موجة شديدة من البكاء المصحوب بالخوف، فهي وأهلها ومعظم عشيرتها من الناس المسالمين، وليس لهم تجارب في المراكز الأمنية والسجون، عكس حمدان وعائلته فهم متمرّسين في التعامل مع المحاكم والمراكز الأمنيّة والسجون. وقام خال حسنة بالاتصال بأحد المسؤولين الكبار ليتوسّط لأبنة أخته كيلا تدخل السجن، وفعلاً نجح بتكفيلها وعدم ذهابها للسجن.
وبعد العودة الى البيت، أتصل والد حسنة وخالها بحمدان، وعرضوا عليه تسوية القضية واسقاطها، فطلب مائتي دينار مقابل ذلك (حدود راتب شهر لحسنة)، وقام والدها بدفع المبلغ لحمدان وتنازل هو بدوره عن القضية. وبعد شهرين من حلفان اليمين الكاذب، سقط ابن حمدان وهو في الصف الأول من سطح منزله على الأرض، وتعرّض لإصابات متعددة، بقي يتعالج منها لمدة سنتين كان خلالهما متوقّف عن الدراسة.
الوقت الحاضر (عام 2020):
القاضي: قد يكون يحمل لقب عطوفة أو معالي، وقد يكون أحد ركائز القضاء الأردني حالياً.
حمدان: لا زال مستمراً في اصطياد ضحاياه بقضايا قانونية لابتزازهم، وبعض أبناءه اتخذوا الانحراف والادمان طريقاً.
حسنة: أنتقلت من مدرسة وسط البلدة وأصبحت مديرة مدرسة في إحدى القرى القريبة، وتزوّجت ضابطاً وأنجبت طفل.
النظام القضائي الأردني: لم يتم تحديث قانون العقوبات، وما زال الكثير من المجرمين يبتزّون الابرياء باللجوء الى القضايا الكيدية في المحاكم الاردنيّة في ظل ثغرات في القوانين تمكّن المجرمين، ولا تحمي الناس من بطشهم وتجاوزاتهم.
ملاحظة: القصة حقيقية مع تغيير الأسماء للحفاظ على الخصوصية.