العشيرة.. دفء الانتماء لا نار العصبية

ساعتين ago
العشيرة.. دفء الانتماء لا نار العصبية

أ.د.بيتي السقرات/ الجامعة الأردنية

حين قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب»، كان في قوله تأكيد على صدق نبوته واعتزازه بأصله ونَسَبه، فهو من بني عبد المطلب، أحد فروع قريش الكبرى، لكنّ تأكيده هذا لم يكن مباهاة بالنسب أو العصبية، بل تعبيرًا عن الفخر بالانتماء الأصيل الذي يجمع بين الرسالة والقيم، ويؤكد أن النسب الشريف مقرون بالحق والثبات والإيمان.
وهذا المعنى العميق في الاعتزاز بالأصل والانتماء القيمي هو ما يعكس جوهر مفهوم العشيرة في المجتمع الأردني.

فالعشيرة ليست مجرد رابطة دم أو اسم، بل منظومة قيمية واجتماعية تقوم على الدفا والوفا، وعلى التكافل والتراحم، وعلى الوقوف مع الحق، وحماية النسيج المجتمعي من التشرذم والانقسام.
العشيرة الأردنية هي الامتداد الطبيعي للأصالة، وهي البذرة التي نبتت منها الدولة الأردنية الحديثة، فكانت على الدوام الرافعة والسند، وحاضنة القيم التي تربى عليها الأردنيون جيلاً بعد جيل.

ولذلك، لا يجوز أن تُشيطن العشيرة أو تُختزل في سلوكيات فردية أو مظاهر خاطئة، فالعشيرة ليست مثار جدل ولا أداة للاستقواء أو التعصب. بل هي منظومة وفاء وانتماء، نابعة من تاريخ من المروءة والشهامة والكرم والنخوة، تعزز الاستقرار، وتعمق الانتماء، وتشكل عماد البناء الاجتماعي والوطني.
إن تشويه صورة العشيرة أو تصويرها وكأنها رمز للهمجية أو التخلف هو جهل بحقيقتها ودورها، فالعشيرة الأردنية كانت وستبقى صمام الأمان للمجتمع، ومصدر الدفا الاجتماعي الذي يحفظ الناس في الشدة والرخاء، وهي الأصل الذي لا نستغني عنه ولا نقبل المساس به.

وقد عبّر جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله، عن مكانة العشائر الأردنية بقوله:

“العشائر الأردنية كانت وستبقى صمام الأمان للوطن، ورافعة الدولة الأردنية، وشريكة في مسيرة البناء والتحديث.”

كلمات جلالته تمثل بوصلة الانتماء الحقيقي، فالعشيرة الأردنية قلبًا وقالبًا مع الملك ومع ولي عهده الأمين، يعلنون الولاء والوفاء والانتماء الدائم، ويقفون صفًا واحدًا خلف الوطن في مواجهة كل محاولات الإساءة أو الفتنة أو زرع الشكوك بين أبناء المجتمع الواحد.

العشائر الأردنية ترفض العشائرية المميتة التي يُراد بها الاستقواء أو الإساءة أو إثارة الفتن، لأن العشيرة ليست وسيلة للنفوذ، بل عنوان للعطاء، وليست سلاحًا للتفرقة، بل جسرًا للوحدة.
هي نموذج للتماسك الاجتماعي، تستمد شرعيتها من تاريخها وقيمها، وتترجم ولاءها بالفعل لا بالقول، في العمل والعطاء والالتزام.

فالعشيرة الأردنية، التي بنت الدولة ووقفت في خندق الوطن منذ بدايات التأسيس، ستبقى صامدة على هذا النهج الأصيل:
دفا في العلاقات، وفاء في الانتماء، ونبلاً في الموقف، لا تسمح لأحد أن يشوه صورتها أو يقلل من دورها.
فهي الأصل الذي نحتمي به، والهوية التي نفخر بها، والدرع الاجتماعي والإنساني الذي يجمعنا على المحبة والاحترام، في ظل قيادة هاشمية حكيمة ومخلصة، تقود السفينة بثبات نحو المستقبل.