مؤسسات التعليم منسقًا للمعرفة الرقمية

31 ثانية ago
مؤسسات التعليم منسقًا للمعرفة الرقمية

الدكتور محمود المساد
حقاً: متى تصبح مؤسسة التعليم منسقًا للمعرفة الرقمية أكثر من كونها مجرد مزود للأجهزة؟
يشير تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD حول سياسات المعلم لدعم استخدام الموارد الرقمية في الفصول الدراسية، الصادر في 23 سبتمبر 2025،إلى أن الرقمنة لم تعد خيارًا إضافيًا في عمل المعلم وأدائه لمهنته في التعليم، بل أصبحت ( الرقمنة ) نهجا يُفضي بالضرورة إلى إعادة تعريف مهنة التعليم، ودور المعلم داخل غرفة الصف،والسياسات المحيطة به. وأن هذا التحول الجوهري في طبيعة مهنة التعليم،واتساع حدودها،ومتطلبات الإعداد لها،والسعي الحثيث؛معلما ومؤسسات تعليمية، وراء كل جديد تُراكمه نتيجة تطورها،وكثافة التدريب المستمر على تجديداتها،هو الضامن لنجاح المعلم في أدائه لدوره،والضامن أيضاً للمهنة من حيث :جودة الاستقطاب،وجودة الأداء لكافة المهمات.
كما ‏كشفت بوضوح نتائج الإختبارات الدولية (PISA) لعام 2022، أن 88% من المدارس عالميا ترى أن معلميها يمتلكون مهارات استخدام الأجهزة الرقمية، بزيادة واضحة عن 2018.إلا أن امتلاكهم للمهارات التقنية لا يعني بالضرورة دمجًا تربويًا فعالًا لها في مواقف التعلم في الميدان المدرسي، وهذه حقيقة واقعية يلمسها كل مراقب أو متابع لعمليات التعليم في ميدانها المدرسي، وبلغة أكثر وضوحا أصبح المعلم يجيد تمثيل الدور، فهو يعرف كثيرا ويطبق قليلا أمام المتابعين.
لقد بدأت مؤسسات التعليم الحية في العالم بإنشاء منصات رقمية مركزية،من أجل توفير المحتوى التعليمي الخاص بكل منها، وتشجيع تبادل الموارد بين معلميها.والتحوط لبناء الجانب الأخلاقي الذي يحصن الطلبة أمام مغريات المحتوى الرقمي العام ومنزلقاته المنفلتة. ‏وتُعدّ القضية الأخلاقية من أبرز التحديات التي تواجه المعلمين في استخدام التقنية، فهي تتجاوز الجانب المعرفي والفني في التعليم إلى تشتيت الطلبة،وإرهاقهم المعرفي، وتنمرهم الإلكتروني، واختراق خصوصياتهم. أي أن الرقمنة أصبحت قضية تربوية وأخلاقية تحتاج إلى التحصين إلى جانب إيجابياتها التي يعمل العالم كله على التحول إليها.

وحقيقة لا يجوز لنظام التعليم أن يرهق المعلم بالأعباء والمهام،ويتركه وحيداً يصارع من أجل اكتساب المهارات الرقمية التي تحدث عنها بعبارات إنشائية فضفاضة في أنظمته وتعليماته، بل عليه أن يتولى عنه ترتيب ذلك، ويقنعه بجدوى هذا التحول. كما وأن تأخذ هذه الأنظمة بتوجهات العالم بخصوص هذا الشأن، حيث ظهرت أدوار جديدة داخل المدارس مثل: منسق التكنولوجيا، أو المدرب الرقمي، لدعم المعلمين المستمر وتطوير السياسات الرقمية، وهذا اتجاه عالمي جديد يقوم على استثمار فرق متخصصة بالرقمية تدعم المعلم وترتقي بمهاراته وأدائه، بدل تركه وحيدًا أمام تحديات التقنية.
وعوداً إلى واقع الحال، فنحن لا نطلب من مؤسسات التعليم في بلدنا الحبيب أكثر من طاقتها،ونحن نعرف إلى أين وصلت،ونعرف قدرات قياداتها، وانغماسهم في قضايا إدارية، وشكليات لا مردود لها على تحسين التعليم. وبنفس الوقت لا نستطيع القيام بدور المتفرج وحسب،وأن نكتفي بالدعاء لهم بطول العمر…. بل علينا أن نقدم من الأفكار والرؤى ما يفيدهم بفتح الآفاق للمستقبل.
والله من وراء القصد