بقلم: المحامي حسين أحمد عطا الله الضمور
في زمن تتعاظم فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية على المواطن الأردني، جاءت مبادرة معالي وزير الداخلية لتخفيف أعباء الزواج والعزاء، كخطوة تستحق الترحيب والإشادة. إنها مبادرة تحمل بين طياتها رؤية إصلاحية، تنطلق من حاجات الناس اليومية، وتلامس هموم الأسر والشباب الذين أثقلهم غلاء المعيشة وتكاليف المناسبات.
لقد اعتدنا، نحن الأردنيين، أن تتحول الأفراح إلى منافسة في البذخ والمظاهر، والأتراح إلى سباق في الولائم والإنفاق، حتى باتت بعض العائلات ترزح تحت الديون لمجرد أن لا يُقال عنها إنها قصّرت في عادات المجتمع. هنا جاءت المبادرة لتضع حدًا لهذه المبالغات، وتعيد للفرح بهجته البسيطة، وللحزن هيبته ووقاره.
المبادرة تدعو إلى تقليل المهور، والاكتفاء بأبسط مظاهر الاحتفال، وإقامة العزاء في يوم واحد دون إلزام أهل المتوفى بمصاريف طائلة. إنها دعوة إلى العودة للأصل: التضامن والتكافل، لا التفاخر والاستعراض.
الشارع الأردني عموماً، وأهالي الكرك على وجه الخصوص، استقبلوا هذه الخطوة بترحيب ملحوظ، لأنهم أكثر الناس إدراكًا لثقل التكاليف الملقاة على كاهل الأسر. فالكرك، برمزيتها العشائرية والاجتماعية، تعاني كما باقي المحافظات من ظاهرة المغالاة في المناسبات، وقد أطلق أبناؤها قبل سنوات مبادرات شعبية مثل “ارحمونا” للحد من أعباء العزاء. واليوم تأتي مبادرة وزير الداخلية لتعزز هذه الجهود وتمنحها غطاءً رسميًا.
لكن نجاح هذه المبادرة لن يتحقق بمجرد إصدارها، بل يحتاج إلى إرادة مجتمعية تؤمن بها وتلتزم بها. فالتغيير الحقيقي لا يُفرض من أعلى، وإنما يصنعه الناس أنفسهم حين يدركون أن المصلحة العامة فوق العادات التي تثقلهم. الوجهاء والعشائر والمثقفون ورجال الدين، كلهم مطالبون بأن يكونوا سفراء لهذه الرؤية، وأن يقودوا التغيير بالفعل لا بالقول.
إننا أمام فرصة لتجديد قيمنا الاجتماعية على أساس البساطة والتكافل، بعيدًا عن الإسراف والمظاهر الكاذبة. هي فرصة ليشعر الشاب أن الزواج ليس عبئًا ماليًا يعجزه، ولتشعر الأسرة المكلومة أن واجب العزاء لا يعني استنزافها ماديًا.
من هنا، أجد لزامًا علينا أن نقول: شكرًا لمعالي وزير الداخلية على هذه المبادرة، ولنعمل جميعًا على أن لا تبقى حبرًا على ورق، بل واقعًا يخفف عن الناس ويعيد للمجتمع الأردني صورته الأصيلة: مجتمع متماسك، متراحم، يقدّر المعاني أكثر من المظاهر.