جميل النمري
الانطباع السائد اليوم ان مشروع التحديث السياسي لم يحقق اهدافه ويعزز هذا الرأي الركود الظاهر في الحياة الحزبية بعد الانتخابات، وأن الكتل البرلمانية الحزبية لم تقدم أي اداء مقنع يخالف ما كان سائدا في السابق. وغالبا ما يعبرالمهتمون عن خيبة أملهم من واقع الأحزاب حديثها وقديمها ونلاحظ أن كثيرا من الشخصيات التي انخرطت في الاحزاب قد انسحبت اوفقدت الاهتمام والأمل.
لا يقطع حالة السكون في الحياة الحزبية سوى الأخبار عن مشاريع اندماج هنا وهناك تحرك الأجواء وتعيد الاهتمام. وابرز خبر كان اندماج حزبي ارادة وتقدم. وهناك معلومات عن حراك للأندماج يشمل عددا من الأحزاب وسطية. ومن الطبيعي ان هذا التوجه يحظى بالتشجيع من دوائر القرار انسجاما مع رؤية التحديث لتوحيد الاحزاب المتقاربة في كل تيار.
هذا على جبهة اليمين والوسط فماذا عن اليسار؟! وهو الخاسر الأكبر في الانتخابات الأخيرة ؟ الجديد هو الخبر قبل ايام عن نأسيس ” الملتقى الديمقراطي ” وهو كما قال الخبر اطار حواري لتوحيد التيار الديمقراطي الذي يضم االأحزاب اليسارية والقومية القديمة واحزاب يسار الوسط الحديثة وهي حوالي عشرة احزاب شارك ثمانية منها في الملتقى الديمقراطي الى جانب شخصيات مستقلة.
لنتحدث اذن عن هذا التيار ونلقي الضوء على الحراك فيه. فقد كان الاستخلاص الرئيس بعد الانتخابات ان فشل احزابه – بإستثناء العمال – في الحصول على اي مقعد هو نزوله في عدة قوائم لم تصل اي منها العتبة رغم ان مجموع الأصوات تساوي عدة مقاعد يضاف لها الكوتا الشركسية والمسيحية. ومن المؤكد ان هدر اكثر من 300 الف صوت لأحزاب يسارية ووسطية سيدفع للتفكير في تعديل قانون الانتخاب ليسمح بإئتلاف قوائم بحيث تجمع اصواتها وتذهب المقاعد للقوائم الأعلى في الائتلاف. وهناك افكار اخرى لمنع الهدر وتيسير الائتلافات الانتخابية. لكن هذا موضوع آخر.
رغم الاستخلاص الذي اشرنا له لم يحدث شيء على صعيد وحدة هذا التيار وهي الأصعب لأن السياسة والتاريخ والمقدسات الايدلوجية تثقل كاهل احزابه وتمنع التخلي عن الكيانات القديمة لصالح مشروع جديد، ولذلك هناك مسارين محتملين:
المسار الإندماجي ويمكن ان يشمل فقط الأحزاب حديثة التكوين كونها متحررة من المرجعيات القديمة وتتشابه في تموضعها السياسي على مساحة يسار الوسط وتتقارب في فكرها الاقتصادي الديمقراطي الاجتماعي.
والمسار الإئتلافي ويمكن ان يشمل جميع هذه الأحزاب لأن القاسم المشترك الأدنى موجود وكذلك المصلحة. وما حال دون تحقيق هذا الإئتلاف في الانتخابات الماضية لم يكن اي خلاف سياسي بل فقط استحالة التوافق بين ستة احزاب على ترتيب أسماء مرشحيها في قائمة مغلقة.
والحال ان تلك التجربة كانت تعني ان على الأحزاب ان تتصرف بذكاء وبراجماتية عالية وعدم انتظار موعد الانتخابات بل تلتقي في وقت مبكر لبناء تفاهم على الخطاب السياسي والبرنامج وهيكل العمل وادارة القرار وألية اختيار المرشحين المشتركين وفقا لما يتيحه النظام الانتخابي. والأمر الثاني ضرورة اشراك الفعاليات المستقلة التي تنتمي لهذا التيار وهي كثيرة جدا لكنها لا تجد نفسها في اي من احزابه وتتحمس للعمل في اطار موحد. ولذلك لاحظنا ان الاحزاب اقبلت بطيب خاطر للمشاركة في “الملتقى الديمقراطي” جنبا الى جنب مع المستقلين وبينهم فعاليات برلمانية ونقابية وبلدية.
لا يجوز الافراط في التفاؤل فالحوار في بداياته وقد تتعثر الأمور لكن المصلحة العميقة لجميع الأطراف في الوحدة الانتخابية قد تتلاقى مع تعديلات في القانون تجعل الطريق سالكة تماما أمام وحدة هذا التيار في الانتخابات القادمة.
اما الاندماج الذي سيشمل جزءا من احزاب التيار فطريقه صعبة بالتأكيد خصوصا ان هذه الاحزاب اوبعضها يعاني اصلا من انقسامات ونزاعات داخلية لكن في مفارقة جدلية قد يكون ذلك الحافز الأهم للوحدة لأن متوالية الانقسامات على السلطة لن تنتهي والأفضل تصميم اطار مرن يتسع لكل المكونات بدل النزاع العقيم على المكان الضيق.
جديد الحراك لوحدة التيارات الحزبية ؟!
