صَفَعاتٌ ثُمَّ صَفَقاتٌ

43 ثانية ago
صَفَعاتٌ ثُمَّ صَفَقاتٌ

د. عادل يَعقوب الشَّمَايْلَه

في عالَمٍ تُثبِتُ صَفَحاتُ تاريخِهِ المُغبَرَّةُ منها واللّامِعَةُ صِحَّةَ مقولةِ ونستون تشرشل:
“تَصنَعونَ من الحَمقى قادةً، ثُمَّ تَسألونَ: مِن أينَ يأتي الخراب؟”

وطالما لا يُوقَفُ ولا يُغَيَّبُ السَّببُ، لا تتغيَّرُ النَّتائج. عندها، لا غَرابةَ أن تكونَ حالُ العالَمِ يسودُها واقعٌ لا حُزنَ فيه على الحُزانى والضَّحايا، ولا عزاءَ للمكلومين، ولا ضماداتٍ للجرحى، ولا حدائقَ بدلًا من السُّجون، ولا حُرِّيَّةَ للمعتقلين، ولا سلامَ بين المساجدِ والحُسينيّات والزَّوايا والكنائس والكُنُس والمعابد والآلِهة، ولا أمنًا للمؤمنين، ولا خُبزًا للجِياع، ولا سقفًا يُظِلُّ المشردين، ولا حجارةً تَفقَأُ عُيونَ العَبِيطين.

أصبَحَت كلمةُ “الصَّفَقات” التفسيرَ السِّحريَّ الذي يَستَعمِلُه المُحلِّلون، وكُثُرٌ منهم مُتَحلِّلون، عند إبداءِ آرائِهِم العَليلةِ في مُسبِّباتٍ ومآلاتِ الهَزّاتِ والبَراكينِ السياسيَّةِ منذُ انتخابِ الحاكمِ بأمرِه في أمريكا من قِبَلِ ملايينَ الظَّلاميّين والمُلوَّثةِ عُقولُهم بالإيديولوجيا والخُرافاتِ والأساطيرِ وأوهامِ العَظَمَةِ التي لا تختلفُ عن عَظَمَةِ جِيفَةٍ يُزكِمُ نَتنُها أَنفَ حتى المُصابِين بالإنفلونزا.

لكننا إذا راجعنا مَشاهِدَ الطاولاتِ والمَقاعِد التي يُفتَرَضُ أنَّ المُتَصافِقين جلسوا حولَها وعليها، لا نَجِدُ أيَّ صَفْقةٍ ولا مُتَصافِقين، بل كاوْبُوي يَحمِلُ مَسدَّسَين وحِزامَ عَتادٍ وكيسًا يَملؤُه بالغَنائمِ من قَتلاه.

للصَّفقاتِ شُروطٌ يجبُ أن تَستَوفيَها حتى تكونَ ناجحةً ومُستدامةً:
أَوَّلُها: الرِّضا بين أطرافِ الصَّفقة.
ثانيها: العَدالة (رابح – رابح).
ثالثها: غيابُ الاحتكار، سواءٌ احتكارَ البائعِ، أم احتكارَ المُشتري، أم احتكارَ السُّوق، أم احتكارَ الإعلانِ والتَّسويق، أم احتكارَ المال.
جميعُ هذه الشروطِ غائبةٌ في صَفَقاتِ ترامب المُقتَرَحة والمُنصرِمة.
يُخَيِّرُ ترامب كندا ما بين الاحتلالِ والضَّمِّ أو الرُّضوخِ لتعرفةٍ جُمرُكيَّةٍ عاليةٍ، شَرطَ عَدمِ المُعاملةِ بالمِثلِ من قِبَل كندا. ويُخَيِّرُ بَنَما ومِصر ما بين الاستيلاءِ على قَناتَيهما المائيتَين أو إعفاءِ السُّفُنِ الأمريكيَّة من الرُّسوم. ويُخَيِّرُ أوكرانيا ما بين الاحتلالِ الروسيِّ أو التَّنازلِ عن ثَرواتِها النَّفيسةِ والنادرةِ لأمريكا. ويُخَيِّرُ أوروبا ما بين البقاءِ أمامَ هواجسِ الخطرِ الروسيِّ أو وَقفِ استيرادِ النِّفطِ الروسيِّ والتَّخلّي عن الطَّاقةِ الخَضراء، ثُمَّ التَّحوُّلِ لشراءِ النِّفطِ الأمريكيِّ “الرائع” والفَحمِ الأمريكيِّ “الأشقر الجميل” الذي لا دُخانَ فيه.
ويُخَيِّرُ العَرَبَ ما بين الهيمنةِ الإسرائيليَّة أو الهيمنةِ الأمريكيَّة المُطلَقة الجامحة، وما بين الكَراسي وبين التَّوقيعِ على بَياض. ويُخَيِّرُ المكسيك وفنزويلا والبرازيل ما بين الرَّكلِ والخَوازيق. ويُخَيِّرُ الصينَ ما بين الرُّكوعِ أو الفوضى والحِصارِ أو الاحتواء.
الصَّفقةُ التي يُفضِّلُها ترامب هي تلك التي تَجري في البيتِ الأبيض على نفسِ المقاعدِ التي أُجلِسَ عليها زيلينسكي وأُجلِسَ عليها القادةُ الأفارقةُ والقادةُ الأوروبيون.
ترامب يَنظُرُ إلى مُنافِسيه ويُخاطِبُهم بنفسِ النَّظرةِ والخِطابِ الذي وَجَّهَهُ ويوجِّهُه لهيلاري كلينتون وسَلَفِه الرئيس بايدن.
الرئيسُ ترامب صَفَعَ الهند، الدولةَ الكُبرى النَّاشئةَ بتعرفةٍ جُمرُكيَّةٍ خانِقةٍ ما لم تغير اتِّجاهاتِ سياستِها الخارجيَّة وتشتري النِّفطِ الأمريكيِّ بدلًا من النِّفط الروسي. ويُعاقِبُ المحاكمَ الدوليَّة لأنَّها عاقَبَت مُجرمي الحروبِ الإسرائيليّين والأمريكيّين. واستهانَ بالجمعيَّةِ العامَّة للأمم المتحدة، وأَوقَفَ برامجَ المَعوناتِ الدوليَّة، ويُجَفِّفُ دماءَ الجامعاتِ ودماءَ فُقراءِ أمريكا كما يُجَفِّفُ مَزارعَها بطَردِ المُهاجِرين، مع أنَّهم عِمالةٌ رَخيصةٌ ساهَمَت في عَظَمَةِ الاقتصادِ الأمريكي.
حاكمٌ لا يَعرِفُ إلّا أداةَ الصَّفعِ، ولا يَقبَلُ دخولَ الأسواقِ للتَّسوُّقِ وعَقدِ الصَّفقات.