أمام وزير الداخلية: فنجان القهوة يهضم الحق الخاص بحوادث الاستهتار المروري ويجب تغليظ الحق العام

21 ثانية ago
أمام وزير الداخلية: فنجان القهوة يهضم الحق الخاص بحوادث الاستهتار المروري ويجب تغليظ الحق العام

كتب أ.د. محمد الفرجات

تشهد شوارع الأردن في السنوات الأخيرة تصاعدًا مقلقًا في حوادث السير الناتجة عن السرعات الجنونية، والقيادة بطيش واستهتار، والحركات البهلوانية المتعمدة، فضلًا عن القيادة من دون رخصة أو بوجود مخالفات متكررة غير مسددة.

ورغم التعديلات التي أُدخلت على قانون السير في عام 2023، والتي رفعت العقوبات وحققت انخفاضًا ملموسًا في نسب الحوادث، إلا أن حجم المأساة على الأرض يؤكد أن الوقت قد حان لإعادة النظر في هذه العقوبات لتكون أكثر صرامة وردعًا، وبما يضمن حماية الأرواح والممتلكات على حد سواء.

فبحسب الإحصاءات الرسمية، شهد الأردن في عام 2022 نحو 169 ألف حادث سير، أسفر عن وفاة 562 شخصًا وإصابة أكثر من 17 ألفًا. ومع أن القانون الجديد ساهم في تقليص نسب الحوادث بنسبة 22%، وانخفاض مخالفات السرعة بنسبة 40%، وتراجع قطع الإشارة الحمراء بنسبة 70%، إلا أن الأرقام ما زالت مرتفعة وتكشف أن هناك شريحة من السائقين لا تردعهم الغرامات الحالية أو مدد السجن القصيرة. وهؤلاء يمثلون الخطر الأكبر على المجتمع، خصوصًا فئة الشباب الذين يستعرضون سياراتهم في الشوارع العامة وكأنها ساحات سباق.

وتتفاقم المشكلة مع ظاهرة “الضغط العشائري وفنجان القهوة” عبر العطوات والجاهات التي تنتهي بإسقاط الحق الخاص والتنازل، فيبقى الحق العام لهذه الأسباب بحاجة للتغليظ ليصبح رادعا.

معظم المستهترين من الشباب الطائش العنجهي يرددون للأسف جملة “كل راسمال اللي بموت فنجان قهوة”… !!!

هنا تتضح الحاجة إلى تغليظ العقوبات القانونية بحيث تصبح غير قابلة للتأثير بالضغوط الاجتماعية، وذلك من خلال مضاعفة مدد السجن والغرامات، وسحب رخص القيادة لفترات طويلة أو بشكل دائم عند التكرار، بل ومصادرة المركبة في الحالات الخطيرة التي تهدد حياة الآخرين.

إلى جانب التشريعات الصارمة، فإن الرقابة الذكية أصبحت ضرورة ملحة. فالكاميرات الحديثة قادرة على رصد أدق المخالفات مثل تجاوز السرعة أو قطع الإشارة أو استخدام الهاتف أثناء القيادة، وتوثيقها بالأدلة الدامغة التي لا يمكن إنكارها.

كما يجب دعم رجال السير بأدوات تقنية وتدريب متقدم ليكون وجودهم في الشوارع عنصر ردع مباشر، مع فتح قنوات سريعة وفعّالة لتلقي البلاغات من المواطنين عن أي سائق طائش أو استعراض خطير، بما يضمن التعامل الفوري مع الخطر قبل وقوع الكارثة.

إن حماية الأرواح واجب وطني ومسؤولية جماعية. لذلك فإن الدولة مطالبة اليوم بإعادة صياغة القانون ليواكب حجم التحديات على الطرقات، مع اعتماد نظام نقاط مرورية يُسقط رخصة القيادة تلقائيًا عند بلوغ حد معين من المخالفات.

كما أن حملات التوعية المستمرة في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام ضرورية لغرس ثقافة القيادة الآمنة وتعزيز شعور السائق بأن الشارع ليس ملكًا له وحده، بل هو فضاء مشترك للجميع.

إن أرواح الأردنيين أغلى من أن تُترك رهينة لطيش بعض الشباب أو استهتار البعض الآخر.

فتغليظ العقوبات، وتفعيل الرقابة الذكية، ودعم رجال السير، وتشجيع المواطنين على التبليغ عن المخالفات الخطرة، هي منظومة متكاملة قادرة على إعادة الانضباط إلى الشوارع، والحد من نزيف الدماء الذي يدفع ثمنه الأبرياء يوميًا. فالردع الحقيقي يبدأ حين يدرك المخالف أن القانون أقوى من كل الوساطات، وأن العبث بحياة الناس جريمة لا يغفرها المجتمع ولا تتهاون معها الدولة.