فادي السمردلي يكتب: الانتخابات الداخلية وأوهام الديمقراطية قراءة نقدية للواقع السياسي المعاصر

6 أغسطس 2025
فادي السمردلي يكتب: الانتخابات الداخلية وأوهام الديمقراطية قراءة نقدية للواقع السياسي المعاصر

بقلم فادي زواد السمردلي 

#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال

*المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*

في جوهرها، تمثل الانتخابات الديمقراطية أحد أهم أعمدة الحكم الرشيد، وأداة أساسية لتحقيق التمثيل الشعبي والمشاركة السياسية فهي ليست مجرد آلية لاختيار القادة والممثلين، بل هي تعبير عن الإرادة الجماعية، وتجسيد لقيم العدالة والمساواة والشفافية وتزداد أهمية الانتخابات كلما ارتفعت درجة التأثير المتوقع من نتائجها، سواء على مستوى الدول ومؤسساتها السيادية كالرئاسة والبرلمان، أو على مستوى الكيانات الداخلية في المجتمع المدني مثل الأحزاب، والنقابات، والجمعيات، وحتى الأندية والروابط الشبابية والثقافية فالديمقراطية ليست محصورة في شكل الدولة فحسب، بل يجب أن تكون ثقافة تنعكس في كل تنظيم اجتماعي يسعى إلى التعبير عن أفراده وتنظيم علاقاتهم.

لكن رغم هذه المثالية النظرية، تظل الممارسة الفعلية للانتخابات محل تساؤل دائم، إذ أن الدعوة إلى الانتخابات قد تتحول من كونها مطلباً ديمقراطياً مشروعاً إلى مجرد أداة شكلية تُستخدم لتكريس سلطة قائمة، أو إعادة إنتاج ذات الوجوه تحت شعارات براقة تخفي ما وراءها من إقصاء وتحكم ومن هنا تبدأ الأسئلة – وهي كثيرة، ومقلقة – في البروز، ليس تشكيكاً في فكرة الانتخابات بحد ذاتها، بل في مصداقية الجهات التي تدعو إليها، وشفافية الإجراءات المصاحبة لها، وعدالة الفرص المتاحة للمرشحين والمشاركين.

أولاً، هل الدعوة إلى الانتخابات دعوة حقيقية؟ وهل تمثل هذه الدعوة رغبة صادقة في التجديد الديمقراطي وتداول السلطة، أم أنها خطوة محسوبة في سياق مخطط معد سلفاً لإبراز مجموعة بعينها تمتاز بالولاء والطاعة وتقبل الانقياد دون نقاش؟ وهل تم ترتيب كواليس هذه الانتخابات مسبقاً لتفصيل النتائج على مقاس فئة معينة تُرضي القيادة، بينما يتم تهميش الآخرين وإن كانوا أكثر كفاءة أو شعبية؟

ثانياً، هل تم إرضاء مجموعات محددة لضمان دعمها؟
هل هناك صفقات سياسية أو تفاهمات خلف الستار مع أطراف مؤثرة داخل التنظيم أو المؤسسة مقابل ضمانات بالدعم والمساندة، على حساب مبادئ العدالة والمساواة في التمثيل؟ وهل تُقدَّم التنازلات لفئات بعينها فقط لأنها تمتلك مفاتيح التأثير، فيما يُغض الطرف عن حقوق آخرين يُنظر إليهم باعتبارهم خارج اللعبة؟

ثالثاً، هل هناك نية لتشويه الخصوم؟
ففي كثير من الأحيان، تلجأ بعض الجهات إلى أساليب دعائية سلبية لتقويض شعبية المعارضين، عبر
نشر الشائعات داخل التنظيم لخلق صورة نمطية سلبية عن المنافسين واتهام المعارضة بالسعي إلى تقسيم الصف أو التسبب في زعزعة استقرار الكيان التنظيمي
باستخدام اللغة التخوينية لربط النقد بالمؤامرة، والاختلاف بالخيانة.
كل هذه الوسائل تهدف إلى نزع الشرعية الأخلاقية عن الطرف الآخر، وتحويله من خصم إلى “خطر داخلي”.

رابعاً، هل يُقصى الأفراد غير المرغوب بهم من مواقع اتخاذ القرار؟ وهل يُحرم الأشخاص الذين يُظهرون استقلالية في الرأي أو تحفظاً على بعض السياسات من التقدم إلى مواقع المسؤولية، تحت ذرائع تنظيمية واهية؟ وهل بات الوصول إلى المناصب محصوراً فقط في فئة “المرضيّ عنهم” ممن يحملون شعار “أمين” في ولائهم، لا في كفاءتهم أو مشروعهم؟

خامساً، هل هناك سيطرة على المنصات التنظيمية والإعلامية؟
هل تُستخدم الأدوات التنظيمية – كالنشرات الداخلية والاجتماعات العامة – كمنابر لترويج خطاب السلطة فقط، دون منح مساحة للرأي الآخر؟ وهل يتم تسليط الضوء على مرشحين محددين وتلميعهم، مقابل تغييب أو تشويه المنافسين؟

سادساً، هل يُمارس التلاعب بالإجراءات التنظيمية؟
وهنا تتجلى أبرز أشكال التلاعب في صور متعددة، منها:

الدعوة إلى جلسات مفاجئة دون إشعار كافٍ لأعضاء التنظيم، ما يمنع مشاركة فعالة من الجميع
ورفض بعض الترشيحات بحجج تنظيمية أو شكلية، كعدم استيفاء أوراق أو مخالفة بند داخلي، بينما في الواقع يكون الهدف هو استبعاد خصم محتمل يشكل تهديداً بالاضافة الى تعديل اللوائح قبيل الانتخابات بما يخدم فئة على حساب أخرى.

سابعاً، تساؤلات أخرى يجب أن تُطرح:

هل يوجد إشراف مستقل على العملية الانتخابية؟

هل تُتاح الفرص المتكافئة أمام المرشحين في الدعاية واللقاءات؟

هل هناك ضمانات حقيقية لسرية التصويت ونزاهة الفرز؟

هل يتلقى الأعضاء توعية كافية بحقوقهم الانتخابية؟

وهل هناك آلية للطعن والتظلم تحفظ الحقوق في حال وقوع خروقات؟

كل هذه الأسئلة ليست مجرد رفاهية فكرية أو مناكفة سياسية، بل هي ضرورات ملحّة لاكتمال صورة الممارسة الديمقراطية الحقيقية فالمجتمع الذي لا يطرح هذه الأسئلة، أو يُمنع من طرحها، هو مجتمع مهيأ لتكرار أنماط التسلط، حتى لو ارتدت عباءة الانتخاب.

إن الانتخابات الحقيقية هي التي تُبنى على أسس الثقة والشفافية والمشاركة المتساوية، والتي تُدار بعيداً عن منطق الترتيب المسبق والتلاعب بالكواليس وما لم تكن هذه المعايير متوفرة، فإن الحديث عن ديمقراطية يصبح مجرد ديكور سياسي، لا يعكس إرادة الناس بل يخنقها باسمها.