وطنا اليوم – في ظل التزايد غير المسبوق في أعداد الإصابات بفيروس كورونا، واستمرار قرارات الحكومة بإغلاق المؤسسات التعليمية، رجح مختصون استمرار عملية التعليم عن بُعد لفترات أطول، داعين المدرسين والطلبة إلى التأقلم مع النهج التعليمي التعلمي الحديث، والتحلي بالصبر ومحاولة استحداث أساليب ووسائل تساعد في إتمام العملية التعليمية وتجعلها أكثر يسراً.
وأكد مدير مركز المصادر التعليمية المفتوحة والتعليم المدمج في الجامعة الأردنية، الدكتور رزق السيد، أن الجامعات خطت خطوات متسارعة في مجال التعليم عن بُعد، سيما وأنها كانت تعتمد أسلوب التعليم المدمج، قبل انتشار فيروس كورونا والقيود التي فرضتها الجائحة. وأضاف في حديث لـ(بترا)، أن التعليم الجامعي أصبح الآن أكثر مرونة بفضل اعتماد المحاضرات المباشرة على برامج التعلم عن بُعد والتي أصبحت تضفي تفاعلاً أكبر خلال الشرح؛ وأنها لا تختلف كثيراً عن المحاضرات التي تعطى داخل الجامعة.
وقال إن الجامعات الأردنية عملت على تعزيز نموذج التعليم المدمج، قبل جائحة كورونا بسنوات؛ حيث أنه يتم تقسيم محاضرات المساق إلى مواد تعطى وتدرس داخل حرم الجامعة ومحاضرات أخرى يتم تكليف الطالب بها، كأن يطلب منه إعداد بحث وعرضه على زملائه، أو العودة إلى مراجع حديثة تخص المادة المطروحة واستنتاج أثر الفرق الزمني على المعلومات المطروحة.
وفيما يخص اعتماد مبدأ ناجح راسب، أبدى الدكتور السيد تحفظاً حول ترك القرار للطالب في اختيار أن تحسب المادة بالمعدل أو ناجح راسب حتى بعد حصوله على نتيجته، موضحاً أن الطالب طالب، سواء في الأردن أو في أميركا، وهمه الأكبر العلامة، موصياً بأن يحدد الطالب (مسبقاً) احتساب علامة المادة أو احتسابها على مبدأ ناجح راسب.
ولفت الدكتور رزق إلى أن الجامعة الأردنية بدأت باعتماد برامج تضمن الحياد في تقييم الطالب، بما يحقق أهداف التعلم مع ضمانة تطابق الأهداف والنتائج مع مخرجات البرامج والخطط الدراسية، لافتاً إلى أن برامج التقييم المعتمدة لدى الجامعة الأردنية تخفي اسم الطالب لضمان العدالة في التقييم حال قرر مجلس التعليم العالي عقد الامتحانات عن بُعد تماشياً مع إجراءات الدولة وقوانين الدفاع.
وفيما يتعلق بحجب بعض أعضاء هيئة التدريس للعلامات المرتفعة (A، +A) بحجة أن التعليم عن بُعد، بيّن الدكتور رزق أن القانون الجامعي منح عضو هيئة التدريس الصلاحية في ذلك، لكن ضمن ضوابط من مجلس الكلية وبموافقة مسبقة من عميد الكلية ضمن مبررات مقنعة، ولفت إلى أنه ليس مع هذا القرار، وأنه أوصى مسبقاً بتعديل هذا القانون بما يحقق مصلحة الطالب ولا يؤثر على معدله.
وقال إن الجامعات خطت خطوات جيدة في تحسين عملية التقييم عن بُعد، حيث أنها كشفت في الفصول السابقة محاولات وأساليب للغش، ورصدت عدم جدية بعض الطلبة في الاختبارات، ويذكر الدكتور السيد أنه تم العمل على تقليل الوقت المسموح لكل سؤال بحيث ينشغل الطالب بالاجابة خوفا من انتهاء الوقت، وفي بعض المساقات تم حذف مادة الامتحان بالكامل قبل موعد الامتحان بساعة؛ بحيث يكون المدرس قد أرسلها للطلبة مسبقا pdf، ولكنه قبل أن يرسلها حدد لها تاريخ انتهاء، وعند محاولة الطالب فتح تلك الملفات تحذف تفسها تلقائيا، وبذلك يضطر الطالب للإجابة بنفسه.
وكان وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور محمد أبو قديس أكد خلال لقائه أمس برؤساء الجامعات الرسمية والخاصة أن عنوان المرحلة الحالية هو “تعلم تفاعلي عن بُعد باستخدام التعليم الإلكتروني”، استجابة للتوجيهات الملكية السامية نحو إدخال التعليم الإلكتروني ليصبح جزءاً لا يتجزأ من العملية التعليمية.
ولفت الدكتور أبو قديس إلى أن التعامل مع هذا الملف لا يجب أن يكون فقط من باب الاستجابة للظروف التي فرضتها جائحة كورونا، بل يجب العمل على تطوير منظومة التعلم عن بُعد باستخدام (التعليم الإلكتروني) وبما يخدم العملية التعليمية في الجامعات الأردنية، مشيراً إلى ضرورة عقد اجتماعات دورية لرؤساء الجامعات ووزارة التعليم العالي، لبحث القضايا المشتركة بين جميع الأطراف المعنية بقطاع التعليم العالي في الأردن.
ونوه إلى أن الوزارة والجامعات لن تدّخر جهداً لتذليل صعوبات التعلم عن بعد من خلال التشاركية والتعاون مع القطاعين العام والخاص، وشركات الاتصالات، كما طالب رؤساء الجامعات بالتواصل المباشر مع الطلبة للاستماع لملاحظاتهم وآرائهم واقتراحاتهم المتعلقة بالتعلم عن بُعد.
رئيس جامعة إربد الأهلية الدكتور أحمد الخصاونة أكد لـ(بترا)، أن التعليم الإلكتروني وجد ليبقى، وأننا في الأردن قد نجحنا بامتياز في آلية تطبيقه، وذلك عائد للكفاءات المؤهلة والمطلعة على هذا النوع من التعليم، لافتاً إلى أنه كان مطبقاً قديماً في جامعة بيروت العربية التي تخرج منها الكثير من المسؤولين الأردنيين.
ولفت إلى أن وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور محمد أبوقديس وضع خطة واضحة المعالم للتعلم عن بُعد خلال المرحلة الحالية، مستشرفاً فصلاً أفضل وأنجح من الفصول الماضية التي طبق فيها مبدأ التعليم عن بُعد.
وفيما يتعلق بتطبيق مبدأ ناجح راسب من عدمه كما كان معمولاً به الفصل الثاني الماضي، رأى الدكتور الخصاونة أنه بعد الاستفادة من تجربة التعلم عن بُعد خلال الفصول السابقة والتطور في آلية التدريس والتقييم، لم يعد هناك حاجة لتطبيق مبدأ ناجح راسب، لافتاً إلى أن تطبيق هذا المبدأ انعكاسات سلبية على الطلبة أنفسهم، إذ أنه يؤثر على التحاقهم مستقبلاً في العمل أو الدراسات العليا فـ”وجود (ناجح راسب) بكشف العلامات لا يعكس مستوى الطالب الحقيقي”.
وأشار الخصاونة إلى أن آلية التقييم المتبعة سواء كانت عن بُعد أو داخل الحرم الجامعي تتطلب تشاركية من الطالب والمؤسسة التعليمية والأسرة، لافتاً إلى أنه إذا كان الطالب مدركاً تماماً أن هدف وجوده في الجامعة اكتساب مهارة وتحصيل علمي سوف تحل كافة المشاكل التي تواجه التعلم عن بُعد.
وذهب الدكتور الخصاونة إلى أن التعليم الوجاهي يتضمن جوانب تربوية تفاعلية بين الطلبة في البيئة التعليمية تكسبهم المهارات الحياتية من الناحية الأدبية والتربوية، ولكن إذا تضمن التعلم عن بُعد تفاعلاً وتشاركاً سوف نحقق ما يحققه التعليم الوجاهي وبشكل ممتاز، ومن الممكن أن يتعلم الطالب أكثر مع تطبيق تقنيات أكثر خلال التعلم عن بُعد.
المستشارة النفسية والمختصة ببرامج الحماية، الدكتورة أريج سمرين، قالت، إن تجربة التعليم عن بُعد جديدة على مجتمعنا، وجاءت في وضع طارئ وكَحلٍّ بديل، ولم يكن المجتمع مهيئاً بقدر كاف لتلك التجربة، إضافة إلى أنه لم تكن هناك أي ترتيبات لوجستية من قبل المجتمع؛ كتوفر انترنت منزلي، وأجهزة حواسيب متنقلة أو هواتف نقالة لدى الجميع للتعامل مع الوضع الجديد.
وأشارت إلى أن أي تجربة جديدة تحتاج إلى تحضير نفسي (تهيئة)، يتمثل بالتقبل والترويج للفكرة، الذي يساعد في الخروج من دوامة القلق والرعب اللذان خلفتهما الجائحة، مؤكدة أن ما حصل في مجتمعنا من ترهيب وترويع ساهم بعدم تقبل التجربة بشكل مجمل.
وفيما يخص التحديات التي واجهت الطلبة والمدرسين، حددت سمرين تلك التحديات بانها معرفية بالدرجة الأولى؛ بحيث أن قدرة المدرسين على استخدام وسائل التكنولوجيا والتدريس عبر المنصات متفاوتة، وكان من الضروري تهيئتهم للتحول من نظام المحاضرات الكلاسيكي إلى التعليم الإلكتروني، وأثر المنهجية الجديدة في التعلم لدى الطلبة، وهل حصلوا على المعلومات العلمية والنظرية بالفعل؟.
وفي سياق تأكيدها على أن المجتمع بدأ يتعايش مع التعلم عن بعد ويتقبله كنمط تعليمي مؤقت، فقد أوضحت الدكتورة سمرين أن هناك ضريبة لهذا النهج تمثلت في انعدام وجود المهارات لدى خريجي التعلم عن بُعد، والتي يكتسبوها – على حد قولها- من التعليم الوجاهي فقط، إضافة إلى أن ثقة المجتمع بهؤلاء الخريجين تكون مزعزعة إلى حد ما.
وأوصت سمرين بالاطلاع على تجارب المجتمعات الأخرى فيما يخص التعليم الإلكتروني، سيما التي بدأت بتطبيقها وفق أسس ومنهجيات صائبة، وقبل دخول جائحة كورونا، مؤكدة أهمية تشكيل لجان مختصة مكونة من أخصائيين نفسيين واجتماعيين وتربويين قادرين على قراءة الصورة الفعلية للمجتمع وآلية تطبيقها بطرق سليمة.
كما أوصت بتذليل العقبات والتركيز على التسهيلات والتعامل بشفافية مع المجتمع خصوصاً أن بعض المنصات لم تكن مجانية بالفعل، إضافة إلى وضع وتنفيذ الخطط على أرض الواقع من خلال تقييم التجارب والاستفادة من البحوث العلمية، بما يلائم طبيعة المجتمع.