الطحين الأردني الأمل الذي تحدى جدار الجوع في غزة

55 ثانية ago
الطحين الأردني الأمل الذي تحدى جدار الجوع في غزة

بقلم الدكتورة دهمه الحجايا

في مشهد يُخترق فيه صمت الموت واليأس انطلق أمس خيط الأمل من الأردن متجهاً نحو قلب الجحيم في غزة. شاحنات أردنية محملة بأطنان من الطحين، نجحت في اختراق الحصار المفروض، حاملةً معها أكثر من مجرد قوت أساسي إنها تحمل إثباتاً صارخاً على أن معابر الحياة لا تزال قادرة على الفتح ولو بصعوبة بالغة، أمام إرادة الإنسانية التي لم يتوانى الأردن في يوم من الأيام عنها. وصول شاحنات الطحين من الأردن هو إشارة إيجابية، لكنه في الوقت نفسه اختبار حاسم. هل سيكون هذا الباب الذي فُتح بداية لفتح كافة المعابر أمام تدفق مستمر وكافٍ للمساعدات التي تُنقذ الأرواح؟ أم أنه سيكون مجرد استثناء مؤقت يُطوى سريعاً في سجل النسيان بينما تستمر المأساة؟ الجواب لا يقع على عاتق الأردن وحده، بل هو مسؤولية العالم أجمع ، الذي وضع اليوم أمام مرآته الأخلاقية المُتشظية.
إنقاذ أطفال غزة من الموت جوعاً ليس عملاً خيرياً اختيارياً، بل هو واجب إنساني وديني وأخلاقي لا يقبل التأويل أو التأجيل. الأمل الذي حملته تلك الشاحنات يجب أن يتحول إلى تيار جارف يُغيث القطاع المنكوب، قبل أن يتحول جوع اليوم إلى مجرد فصل من فصول إبادة صامتة تُكتب حروفها بعظام الجوعى.
هذه الخطوة ليست مجرد عملية إغاثة عابرة. إنها صفعة معنوية لواقع كابوسي تجاوز حدود “الكارثة الإنسانية” المتداولة في التقارير، ليدخل مرحلة الموت البطيء والمنظم. صور الأطفال الهُزّل الذين يسقطون ضحايا لجوع ليس من صنع الطبيعة، بل من صنع الحصار الصهيوني، وأسر تفقد أعزاءها ليس تحت القصف وحده، بل تحت وطأة البحث المستحيل عن “لقمة العيش” التي أصبحت شاهداً يومياً على انهيار كل خطوط الدفاع عن الكرامة الإنسانية.
رغم أهمية هذه الشحنة و رمزيّتها القوية خاصةً كونها قادمة من دولة مجاورة تتحمل عبئاً ثقيلاً في دعم اللاجئين إلا أن الأصوات الإنسانية تُطلق صيحة تحذير لتواصل الجهد دون تعطيل حيث الأمعاء الخاوية في غزة لا تعرف سوى لغة واحدة الجوع الآن، إن أي تأخير هو بمثابة حكم إعدام على المزيد من الأبرياء.
لقد آن الأوان أن تتقدم الإنسانية على الحسابات الضيقة. هذه ليست مجرد جملة إنشائية، بل هي صرخة استغاثة ودعوة واضحة لجميع الحكومات و المنظمات الدولية و المجتمع الدولي بأسره ، أن يتحركوا بكل الوسائل الممكنة لكسر هذا الحصار الظالم. بالوسائل الدبلوماسية، الضغوط السياسية، لتصعيد عمليات الإغاثة الجوية والبحرية جنباً إلى جنب مع البرية، كلها خيارات يجب استنفارها فوراً.