تجربتي التعليمية مع مؤسسات كوريا الجنوبية

5 ديسمبر 2024
تجربتي التعليمية مع مؤسسات كوريا الجنوبية

الاستاذ الدكتور عبدالله سرور الزعبي
استوقفني ما حدث في كوريا الجنوبية ليلة الامس وحيث تفاجئت كغيري مما حدث فيها من اعلان للاحكام العرفية وتعطيل الديمقراطية فيها لعدة ساعات والفضل يعود الى البرلمان الكوري الذي اثبت للعالم بان كوريا الجنوبية دولة المعجزات الحقيقة. فهي حققت المعجزة الاولى والتي نقلت البلاد خلال نصف قرن من الفقر الى قائمة مجموعة العشرين لأكبر الاقتصادات في العالم، مع انها تهتبر من الدول المصنفة بالدول الفقيرة في الموارد الطبيعية وتعاني من الاكتظاظ السكاني في مساحة لا تتجاوز 100 كيلو متر مربع وسكانها يتجاوز 51 مليون نسمه. وهي الدولة الوحيدة التي ارتفع فيها متوسط دخل الفرد 200من دولار سنويًا في عام 1967 الى ما يزيد عن 35 الف دولار في عام 2023.
على الرغم من الازمة الاقتصادية التي مرت بها في عام 1997، وفقدت عملتها نسبة كبيرة من قيمة عملتها وادت الى خسارة 2 مليون وظيفة، الامر الذي اظطرها لقبول المعونة والقروض بقيمة وصلت الى 57 مليار دولار لانقاض اقتصادها الذي اعتبر بانه على وشك الانهيار. الا ان الحكومة قامت بوضع خطة صارمه للانقاذ الاقتصادي قدم فيها المواطنون الكوريون مساهمات طوعية، بحيث ظهرت نتائج التعافي الاقتصادي خلال عام واحد فقط.
ان ما حدث في كوريا جعلني استذكرتجربتي الشخصية معهم خلال سنوات عملي كرئيس لجامعة البلقاء وانا شخصيا من المعجبين في الية العمل المؤسسي لديهم وفي تجربتهم الواقعية (وفي نفس الوقت لا اخفي اعجابي بهم كشعب منتمي وساعي للابداع) وما حققته من انجازات في التعليم والصناعة والنمو الاقتصادي، والذي يمكن اعتبارها المعجزة الكوريه الفريدة في العالم التي تحققت خلال العقود الماضية، والفضل في ذلك يعود الى انطلاقهم من خطة اصلاح حقيقه لقطاع التعليم (والتي كنت قد اطلعت عليها ودرست وبعض من زملائي التجربة الكورية بدقة متناهية) والتي كانت قد بداءت في ستينات القرن الماضي، وما لبثت ان وفرت للدولة الكورية الكفاءات القادرة على التخطيط ومتابعة التنفيذ على ارض الواقع مطبقة الركائز الاساسية للنمو في مؤسسات الدولة كالرشاقة، والمقارنة المعيارية، والتقارب، والتفاني في العمل.
خلال فترة عملي رئيساً لجامعة البلقاء كنا قد نسجنا علاقات قوية مع الجامعات الكوريه ومع المنظمات الداعمة فيها كمؤسسة كويكا KOICA. وهنا اذكر عندما زار سفير جمهورية كوريا الجنوبية السيد لي بوم يون جامعة البلقاء التطبيقية بتاريخ 8/5/2017 وتم بحث أسس نقل النماذج الكورية في التعليم التقني إلى الجامعة، وتدريب مدربي التعليم التقني في المجالات المختلفة، ونقل التكنولوجيا المستخدمة في المشاغل والمختبرات في التعليم التقني، وبناء وإعادة وتأهيل قدرات مدربي التعليم التقني والمهني، ودعم التطوير الخطط الدراسية التقنية القائمة على المهارات للبرامج المطروحة في جامعة البلقاء التطبيقية، وحيث طلب عندها اطلاعه على خطة الجامعة الاسترتيجية لعام 2016-2020، وبعد ان اطلع عليها قدم لنا نصيحة بان نبداء من انشاء مركز للاتصالت وتكنولوجيا المعلومات لكي لا نتاخر عن التطورات المتسارعة في العالم، ولكي يكون جزء لا يتجزاء من عملية الاصلاح الاكاديمي والادراي التي وضعت الجامعة خطط تنفيذها في ذلك الوقت.
استغلينا وفريقي المشارك في الاجتماع الفرصة وطلبنا منه المساعدة في ذلك، الامر الذي تم على وجه السرعة عن طريق تقديم الدعم الكامل من قبل الحكومة الكوريه لانشاء المركز. ولم يمضي العام الا وقد تم افتتاح المركز وكان ذلك تحديداً بتاريخ 17/12/2017 وبعد ان تم تزويده بمختبرات مجهزة بأحدث وسائل الاتصال الاليكترونية وأجهزة حديثة لتدريب المدربين والتواصل مع العالم الخارجي للاطلاع ومتابعة التطورات التكنولوجية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من قبل أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة والطلبة.
ومن هذا المنطلق أصبح المركز يحمل اسم المركز الاردني الكوري للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ركيزة أساسية في نهضة والتطور الرقمي في الجامعة.
وفي لقاء اخر مع السفير الكوري كنا قد بحثنا معه فكرة انشاء كلية للذكاء الاصطناعي، والذي شجع على ذلك بقوة ووعد بتقديم المساعدة لتعزيز الفكرة من خلال الدعم المباشر ومن خلال وفتح افاق التعاون مع الجامعات المختصة في مجال الذكاء الاصطناعي في كوريا، الامر الذي شجعنا على انشاء كلية الذكاء الاصطناعي في الجامعة والتي باشرت عملها في عام 2019، وهو الامر الذي عارضه البعض في ذلك الوقت والسبب قد يعود لعدم قدرتهم على استيعاب التغيرات المتسارعة في العالم في هذا المجال او لعدم ثقتهم بالقدرة على انشاء الكلية، الا ان الفكرة نفذت على ارض الواقع.
كنتيجة للسرعة في اقامة المركز كنموذج للتعاون ولقصص النجاح التي تحققت من خلال نشاطات المركز في التعليم الإلكتروني وتطبيق الانظمة الإلكترونية وتكنولوجيا المعلومات والإتصالات وللثقة التي تم بناءوها مع مؤسسة KOICA ومع فريق السفارة الكورية، فقد تم وقتها المباشرة في البدء بنقل بعض النماذج الكورية في التعليم التقني والتطبيقي الى الجامعة، كما وقدمت مؤسسة كويكا دعماً مالياً بقيمة 6 مليون دولار امريكي للمباشرة بهيكلة كليتي اربد والكرك وكان ذلك بتاريخ 12/7/2021، كما وتم تقديم دعم مالي اضافي بقيمة 413 الف دولار لتطوير الخطط الدراسية للتعليم الاليكتروني في الجامعة، واذكر ان اول دفعة من هذه المبالغ كانت قد وصلت الى الجامعة في شهر تشرين اول من عام 2021.
ان تجربتي في دراسة النماذج والتجارب العالمية والتي ادت في ذلك الوقت الى اعداد برنامج وطني لتطوير المسارات المهنية والوظيفية ومنح الشهادات المهنية، وكانت رائدة في هذا المجال وحظيت بدعم ومباركة من بعض الجهات الدولية التي ابدت استعدادها لتقديم الدعم لتنفيذها ومنها الوكالة الكورية KOICA والالمانية GIZ والحكومة الايطالية والتي قدمت مبلغ 15.5 مليون دينار لهيكلة كلية عجلون وانشاء مركز لترميم الاثار يكون نواة لكلية جرش التقنية (والتي تشرفت مدينة جرش با قام جلالة الملك بوضع حجر الاساس لها بتاريخ 3/5/2023)، الا ان التردد في اتخاذ القرار في الوقت المناسب كان قد اخر البدء بتنفيذ برنامج المسارات المهنية والتطور الوظيفي ومنح الشهادات المهنية لاكثر من 3 سنوات، وهو البرنامج الذي كان قد قدم لمجلس التعليم العالي بتاريخ 3/1/2019، وتم الموافقة الاولى على تنفيذ اربعة برامج منه في شهر اب عام 2021، الا ان الموافقة على منح الشهادات المهنية تاخر صدورها حتى شهر نيسان 2024، حيث صدرت الموافقة من قبل مجلس الوزراء على ذلك بجلسته المنعقدة بتاريخ 24/4/2024، اي بعد خمس سنوات من طرح الموضوع على مجلس التعليم العالي.
لقد كنت وما زلت من الداعمين لفكرة نقل المناذج التعليمية العالمية التي حققت نجاحات عالمية، كالتجربة السنغافورية او الكورية، لا الى اجراء التجارب والانتظار للحصول على نتائج من الممكن لها ان تفشل، الامر الذي يدفعنا الى البدء من جديد. كما وكنت من الداعمين لنقل المناهج العلمية كاملة كمناهج سنغافورة او كوريا الجنوبيه كما هي واضافة مناهج اللغة العربية والتربية الاسلامية والوطنية اليها.
كما انني من الداعمين الى ان يتم حصر جميع خطط اعداد وتدريب وتاهيل المعلميين وفي كافة المراحل بداءً من مرحلة ما بعد الثانوية العامة الى حصول المتميزين منهم على درجة الدكتوراة في اكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين وكما هو معمول به في المعهد الوطني للتعليم في سنغافوره. كما ارى ان لا تكتفي اكاديمية الملكة رانيا بتقديم البرامج التاهلية للمعلمين في مسارات التعليم للمعلميين او مسارات التعلم لقادة المدراس او مسارات التعلم لمرشدي المدارس ومنح المعلميين الشهادات المهنية، بل ارى انه لمن الضرورة ان تتوسع في ذلك وتعمل على منح الشهادات الخاصة بالمعلمين من البكالوريوس والماجستيروالدكتوراة وان تقوم وزارة التربية والتعليم باختيار الطلبة المتميزين من خريجي الثانوية العامة واجراء مقابلات لهم من قبل فريق متخصص بعيداً عن المجاملة او المحاصصة لاختيار الاعداد المطلوبة للوزارة سنوياً وابتعاثهم الى الاكاديمية للحصول على التاهيل والمهارات الرقمية اللازمة لمعلم القرن الواحد والعشرين لكي نضمن جودة المخرج والمؤهل للعمل في المدارس في المستقبل القريب.