د. محمود المساد
لم أكن أعرف، ولم يخطر لي ببال أنّ قصف غزة بهذا الكم الهائل المُريع بآلاف الأطنان من المتفجرات، يحرق إلى جانب البشر والحجر، ملايين أشجار التوت في العالم، لم أدرك قبل هذه الحرب الشرسة أن هناك علاقة دنيئة ومنحطة ومقيتة بين القوة والتجبّر، وادعاء الديمقراطية، وحقوق الإنسان وبين الفسفور الأبيض الذي أحرق كل شئ حيّ، وغير حيّ في غزة هاشم.
لا ضير …. فقد تركونا نبحث في كل ممكن عمّا يسترنا غير ورق التوت، ولم نجد ذلك متاحًا، قالوا لنا وهم يبتسمون بخبث الذئاب قطيعا، ومكر الثعالب مجتمعة: إن الكرامة سترٌ، وإن ورق التوت سترٌ، وليس لنا إلا التعود على العيش بلا ورق التوت، مثلنا في ذلك مثل عديد البشر في نوادي العراة، وشواطئ هوليود متبجّحين بالمدنية الحديثة للعم سام!!.
لكنهم لم يعلموا أن هناك فرَجا من عند الله، ووعدا صادقا، ورجالا جبّارين أشاوس، هناك الحفر بالصخر، والتدبر بالعقل، هناك كما يقول شيخ الشعراء وسيّد الكلمة الدكتور محمد نصيف في قصيدته ” طوفان الأقصى في تشرين”:
تشرينُ من بعدِ خمسينَ انقضتْ وجعًا
تشرينُ يا باعثَ الآمالِ كم ظمِئتْ
تشرينُ يا موعدَ الأحرارِ يا قدرًا
للطالبينَ المعالي دونما كللٍ
يعودُ يخفقُ فيهِ بيرقُ العربِ
أرضُ العروبةِ حتى جئتَ بالسُّحبِ
للراكبينَ المنايا دونما رهبِ
والسالكينَ سبيلَ الموتِ للشّهبِ
لا أعرف والله هل نحن في أحلام اليقظة، أم في اليقظة الحقيقية لكننا نتعامى عنها جهالة، ونتغابى عنها حماقة ورعونة عقل، وندّعي بالحلم، ثم نسوقها تطنيشا!!!! ندّعي بأحلام الوهم ومعها فقد الذاكرة!! لم نكن لنعترض لو صارحونا وقالوا لنا: يوم علينا، لا لنا، وآخر علينا، فهذه هي الحياة بلا كرامة، في وقت اشترينا فيه قمحا بالكرامة من دون أن ندري، وعصائر إدمانٍ، وسيارات فارهة، وأحذية تبرق، وملابس من ماركات عالمية…… لكن الذي يشعر بأن له قضية، ويؤمن بها لا ينسى ولا يحلم، بل يطرد عنه الأحلام حتى لو كانت حقيقة وواقعا، وينتظر تشرين، ويستنهض جذر الكرامة، ويتوكل على الله في أن تزهر كرامة هذه الأمة برقا لامعا، ورعدا يزمجر، وموعدا للأحرار الراكبين المنايا دونما رهب، أو خوف….. يا رب، اغفر لنا عوراتنا، فالستر الحقيقي الذي لا ينكشف من عندك…… وحسب!!
وحين تأتي النهاية فلن يجد عدوّنا ما يبرّر سترَه!!