بقلم العين المهندس عبدالحكيم محمود الهندي
لعله دائماً هو قدر الأردن، هذا الحمى العربي الهاشمي الأصيل، أن يكون على تماس مباشر مع وجع فلسطين وأهلها، كيف لا وهو السند ونصف “معادلة” الشعب الواحد كما يفهمها كل العالم، فما أن تقول فلسطين حتى تقول الأردن، وما أن تقول الأردن حتى تقول فلسطين، فهذا حال واقع التاريخ والمصير المشترك، ووِحدة الدم.
ومن قدرنا أيضاً أن أتت مناسبة افتتاح جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين للدورة الأخيرة من عمر مجلس الأمة، في الوقت الذي تتساقط فيه صواريخ العدوان الإسرائيلي الصهيوني على غزة وأهلها الصامدين، وعليه، كانت كل أعين العالم ترقب ما سيقوله الزعيم العربي الذي يحمل على كاهله الوصاية الهاشمية لمقدسات القدس الشريف، الإسلامية منها والمسيحية، وماذا سيكون موقف الأردن.
دخل جلالة الملك، حفظه الله، الى قبة البرلمان، وملامح الغضب بادية على محياه الشريف، وكأن أحرف فلسطين تسير معه في كل خطوة وهو يتوجه الى المنصة، ولم يُطِلْ جلالته الكلام حتى أتى على ذكر فلسطين، ليؤكد للعالم على الثوابت الأردنية الراسخة، ففلسطين هي الأرض المقدسة وهي الأهل، وكعادته وعلى خطى الهاشميين، يؤكد جلالة الملك مرة أخرى على تلك الثوابت، وعلى رأسها أن فلسطين هي البوصلة، وأن القدس هي تاج فلسطين الذي لن نحيد عن الدفاع عنه كقضية عادلة.
في خطاب العرش الذي افتتح به جلالة الملك الدورة الاخيرة من عمر مجلس الأمة، يؤكد جلالته وبكل وضوح، أن موقف الأردن سيبقى ثابتاً مهما بلغت التحديات، وهو بذلك يعبر عن ضمير كل عربي مسلم يتطلع الى المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس الشريف.
خطاب جلالته كان جلياً واضحاً وضوح الشمس، فاستخدم عبارةً “عميقة” لها وقعها ودلالاتها في هذا الوقت بالذات عندما قال : “سيبقى الأردن في خندق العروبة في سبيل الوقوف مع الاشقاء العرب”، فلا تفسير لهذه العبارة سوى تفسير واحد، وهو أن الأردن ما زال ماسكاً وثابتاً على ما قام عليه أساساً وهو ” العروبة”، وأنه لم، ولن يتبدل أو يُغَيٍّر “جلده”.
ورغم كل الصخب، وما يحيط بالأجواء، فإن جلالة الملك توقف كثيراً عند القضايا المحلية لا سيما تلك التي تؤكد على أن عزيمة الدولة الأردنية في بناء مستقبل أكثر إشراقاً لمواطنيها، لن يلين، فقطع جلالته الشك باليقين حين أكد أن الانتخابات النيابية ستجري العام القادم كاستحقاق لمسيرة الديمقراطية التي عمل جلالته على حمايتها ودفعها الى الأمام، ووفق الرؤية الملكية الثاقبة بأن تكون الاحزاب البرامجية هي الحاضنة لنظامنا البرلماني على مر أيام المستقبل الذي ننتظر.
ويذهب جلالته الى ما هو أبعد من ذلك حين يقول إن الدماء الجديدة من الشباب ومن قطاع المرأة، يجب ان يأخذا دورهما السياسي، معبراً عن ذلك بقوله : وعهدي لهم أن لا نسمح باغتيال احلامهم في التحديث والتطوير”، فهذا عهد ملكي لا يقبل التشكيك.
أما الجيش والاجهزة الأمنية، فقد كانت هذه المؤسسة الوطنية على الدوام في وجدان القائد وفي قلبه، رفاق السلاح وأهل الهمم والإنجاز، وحماة الوطن ورجاله، وليس أدل على ذلك من التحية الخاصة التي أرسلها الملك لرجاله الصناديد، فوقف مصفقاً لهم لفترة طويلة من وقت الخطاب ليقول لهم : أنتم حماة الوطن ورجاله الذي يصونون أمانته.
في المحصلة، فإن خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني، يكتسب أهمية خاصة كونه أتى في التوقيت الحالي الذي يمر فيه العالم والمنطقة، بتحولات كبيرة، وبملفات كانت غائبة عن الوجدان العالمي، ومن بينها القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، فأرسل الملك من خلاله رسائل لكل “معني” أكدت على ثوابت الأردن ونهجه في الوسطية والاعتدال، وعلى قناعاته بأني السلام لم، ولن يعم إلا إذا تحقق للشعب الفلسطيني حلمه في إقامة دولته على خطوط الرابع من حزيران عام 1967، وغير ذلك فإن دوامة العنف لن تنتهي.
جلالة الملك هو الأب والأخ الذي يعرف وجع الأردنيين وقضاياهم المعيشية بكل تفاصيلها، فهو الذي يجوب القرى والأرياف والمخيمات ليوفر دائماً حياة كريمة للأردنيين.
ولا أذيع سراً إن قلت إنني انتهزتها فرصة حين تشرفت بالسلام على جلالته بعد إلقاء خطاب العرش السامي، لأعبر عما يجول في خاطري بعد سماع النطق السامي، وقلت له : إننا نفاخر بك الدنيا يا مولاي.
نعم، نفاخر بزعيمٍ حبانا الله نعمة حكمه العادل، وبُعد نظره، وحكمته.
حمى الله جلالة الملك عبدالله الثاني، وسدد على طريق الخير خطاه، وأبقاه ذخراً وسنداً لكل العرب والأردنيين ولفلسطين الأبية، انه نعم المولى ونعم النصير