وطنا اليوم:رغم أن كثيرين قد لا يدركون حجم الخطوة التي أقدمت عليها “فوكس نيوز” الأميركية، بطرد أبرز مذيعيها تاكر كارلسون، فإن مجرد إلقاء نظرة على الأحداث المترابطة المتعلقة بالواقعة، والتسريبات التي كشفت مفاجآت صادمة، سيكون كافيا لفهم دور المذيع في التأثير على كبار ساسة الحزب الجمهوري، والتلاعب بالرأي العام.
وأعلنت “فوكس نيوز” طرد المذيع اليميني تاكر كارلسون، الإثنين، معربة عن شكرها له على “خدمته للشبكة كمضيف، وقبل ذلك كمساهم”، لافتة إلى أن آخر حلقة من برنامجه كانت الجمعة.
ورغم أن “فوكس نيوز” لم تقدم تفسيرا لما حدث، كما رفض كارلسون التعليق عن الأمر، فإن مصدرا مطلعا قال لشبكة “سي إن إن” الأميركية، إن قرار الطرد تم اتخاذه مساء الجمعة، من قبل الرئيس التنفيذي لشركة فوكس، لاتشلان مردوخ، والرئيسة التنفيذية لـ”فوكس نيوز” سوزان سكوت.
يحظى كارلسون بسمعة غير جيدة في الولايات المتحدة، بسبب آرائه التي وُصفت بالعنصرية، خاصة في ظل تطرقه لنظريات المؤامرة.
بالرغم من ذلك، خلال الفترة التي قضاها كمذيع في وقت الذروة على قناة “فوكس نيوز”، أصبح كارلسون أحد أكثر الشخصيات نفوذا داخل الحزب الجمهوري.
حرص المشرعون الجمهوريون على نيل رضا كارلسون، ووافق الرئيس السابق دونالد ترامب على منحه المقابلة الأولى في وقت سابق من هذا الشهر، بعد اتهامه في نيويورك.
دفع كارلسون نفسه إلى النجومية في السنوات الأخيرة من خلال كونه من كبار المروجين لنظريات المؤامرة والخطاب الراديكالي.
لم يكتفِ الرجل بزرع الشكوك مرارا حول شرعية انتخابات 2020 الرئاسية، بل روج أيضا لنظريات المؤامرة حول لقاحات كوفيد-19 والهجوم على مبنى الكابيتول.
بسبب الأهمية الكبرى التي يحظى بها كارلسون في “فوكس نيوز”، وتأثيره القوي على الحزب الجمهوري وكباره، فإن خبر الطرد نزل كالصاعقة على كثيرين، خاصة في دوائر الإعلام والسياسة في الولايات المتحدة.
وللوقوف على أسباب طرد “رأس الحربة”، لا بد من فهم الظروف والأحداث التي قادت إلى هذا القرار.
قضية “دومينيون”
طرد كارلسون جاء بعد نحو أسبوع من توصل “فوكس نيوز” وشركة “دومينيون فوتينغ سيستيمز” لقضية تشهير رفعتها الأخيرة، مقابل 787.5 مليون دولار.
“دومينيون” رفعت دعوى تشهير ضد القناة التلفزيونية، بسبب الادعاءات التي قام بها مذيعون، على رأسهم كارلسون، ضد الشركة، مدعين أنه تم “تزوير” نتائج انتخابات 2020 التي أوصلت جو بايدن للرئاسة، من خلال التلاعب بالأجهزة التي تنتجها الشركة وتستخدم في عملية التصويت.
تسريبات دومينيون و”نفاق كارلسون لترامب”
خلال الدعوى القضائية، نشر محامو “دومينيون” محادثات داخلية جرت بين عاملين في “فوكس نيوز”، من بينهم كارلسون، كانت على الأغلب من أكثر الأمور إثارة للصدمة، خاصة بسبب علاقتها بترامب.
طالما عرف كارلسون بعلاقته الوطيدة بترامب، بل ووصلت إلى ذروتها خلال انتخابات 2020، وخسارة ترامب عرش البيت الأبيض، واقتحام مبنى الكابيتول.
كيف تلاعب كارلسون بالرأي العام؟
ما ظهر على الشاشة حينها هو دفاع كارلسون المستميت عن ترامب، واتهامه السلطات بتزوير الانتخابات.
وفيما يتعلق بهجوم الكابيتول، تمسك الرجل بنظرية المؤامرة، القائلة إن من اقتحم المبنى هم عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي “إف بي آي”، وغيرهم من العاملين لدى الحكومة “الراغبة بالإطاحة بترامب”.
نشأت النظرية التي لا أساس لها، من موقع يميني على شبكة الإنترنت، وسلط كارلسون الضوء عليها من خلال عرضها مرارا في برنامجه.
المفاجأة كانت أن كارلسون كان خلال تغطيته لتلك الأحداث بتلك الطريقة، يبعث برسائل لزملاء له في “فوكس نيوز”، مبديا فيها “كرهه الشديد” لترامب، واعتقاده بأن “فترة ولايته في البيت الأبيض كانت كارثة”.
وصلت حملة التضليل التي أطلقها كارلسون في 6 يناير الماضي إلى ذروتها، بمساعدة رئيس مجلس النواب الجديد كيفين مكارثي، وهو جمهوري من كاليفورنيا.
حصل المذيع على لقطات لم يسبق عرضها، تم التقاطها بكاميرات الأمن في الكابيتول، لكن تم انتقاء بعض المقاطع.
المذيع قال في برنامجه إنه عرض المشاهد على الكابيتول قبل بثها، لكن تم نفي مزاعمه.
بالتاريخ والكلمات.. تفاصيل الرسائل المسربة
ومن أبرز الرسائل المسربة التي كشفتها “دومينيون”:
في 5 نوفمبر 2020، بعد يومين من انتخابات 2020، كتب كارلسون لمنتج برنامجه أليكس فايفر: “لقد عملنا بجد لبناء ما لدينا. هؤلاء القادة العسكريون يدمرون مصداقيتنا. إنه أمر يغضبني”.
بدا أن الاثنين كانا يناقشان تغطية شبكة “فوكس” لانتخابات عام 2020.
في 6 نوفمبر، قال كارلسون لفايفر: “ما يحدث هو مزيج من الليبراليين غير الأكفاء، وقيادة عليا لديها الكثير من الفخر لتتراجع”.
في سلسلة منفصلة من الرسائل في 8 نوفمبر، كتب كارلسون: “هل يفهم المسؤولون التنفيذيون مقدار المصداقية والثقة التي فقدناها مع جمهورنا؟ نحن نلعب بالنار، حقيقة “، في إشارة إلى إدارة “فوكس”.
دعوى “دومينيون” لم تكن الوحيدة التي كانت تطارد كارلسون، لكن ربما لعبت دورا كبيرا في فصله.
في مارس 2023، رفعت المنتجة السابقة في شبكة “فوكس”، آبي غروسبيرغ، دعوى ضد “فوكس نيوز” وكارلسون ومنتجه التنفيذي جاستن ويلز وشخصيات أخرى، بالإضافة إلى الشركة الأم لفوكس.
غروسبيرغ التي انضمت إلى فريق كارلسون بعد انتخابات 2020، قالت في الدعوى القضائية، إنه بعد يومها الأول في الوظيفة “أصبح من الواضح مدى انتشار كراهية النساء”.
تزعم الدعوى أيضا أن غروسبيرغ نبهت ويلز إلى بعض “السلوك غير اللائق والمضايقات” التي تحملتها أثناء عملها في برنامج كارلسون، لكنه “تجاهل” مخاوفها.
في مقابلة تلفزيونية، قالت إن “التحرش الجنسي كان سيئا للغاية لدرجة أنها فكرت في الانتحار”.
تحارب “فوكس نيوز” بقوة تلك الادعاءات، وقال متحدث باسم “فوكس” سابقا، إن الدعاوى القضائية “مليئة بادعاءات كاذبة ضد الشبكة وموظفيها”.
مصدر خسارة لـ”فوكس”
تقارير إعلامية أميركية تطرقت أيضا إلى العامل المادي المتعلق بقرار “فوكس نيوز” طرد كارلسون، قائلة إنه أصبح يشكل “عبئا” على القناة.
تسوية الدعوى القضائية مع “دومينيون” كلفت “فوكس” 787.5 مليون دولار، والتي كان من أبرز المتسببين بها كارلسون.
بسبب آرائه المتشددة وتعليقاته التي تثير موجات من الغضب لدى الرأي العام الأميركي، قلت نسبة الشركات التي تريد أن تضع إعلاناتها ضمن برنامجه، خوفا من ارتباط اسمها باسمه وآرائه.
وبغض النظر عن السبب الذي أدى إلى طرد كارلسون، فإن الخطوة في حد ذاتها قلبت المعايير في الإعلام الأميركي، من خلال تقديمها رسالة مفادها بأنه “لم يعد أحد في مأمن من الطرد”