الكرامة من صنع الجيش الاردني

18 مارس 2023
الكرامة من صنع الجيش الاردني

د. بكر خازر المجالي

لم نتوقف مطلقا عند تصريح للسيد احمد جبريل في مقابلة فضائية الجزيرة في برنامج شاهد على العصر قبل أشهر قليلة، حين قدم المذكور شهادته عن معركة الكرامة حين قال (إننا – ويقصد هو و زملائه-.. لم نقاتل في معركة الكرامة).
ولا اعتقد أننا نتذكر ما كتبه صلاح خلف “أبو إياد” في مجلة شؤون فلسطينية في عدد صدر عام 1978 حين قال عن الكرامة ما نصه:-
“قد يفاجأ الكثيرون إذا قلت انه كان لدينا مدفع واحد فقط وسيارة”
ويقول “أن الأسلحة التي كانت بحوزتنا أسلحة لا تذكر فكيف سنواجه بها أسلحة دولة، أتذكر انه في القاعدة التي كنت فيها في الكرامة لم يكن هناك سوى رشاشين B7 وهي لا تجدي لمجابهة أكثر من 200 متر)).
ويقول أيضا “أن عدد الأسلحة الموجودة لدينا اقل من عدد الفدائيين وانه لم يبق من فدائيي القاعدة سوى 12 أو 13 ”
ويقول في كتاب له اسمه فلسطيني بلا هوية يقول بالحرف الواحد : إنني لم أطلق طلقة واحدة في معركة الكرامة.
لا نذكر هذه الحقائق إلا من باب الحقيقة التاريخية، إن كنا نريد إنصاف التاريخ ، ولا نستهدف أحدا رغم استهدافنا ونكران دورنا، و لا نبغي إلا أن يكون الحق في جانب أصحابه وان نبتعد عن التزوير والإجحاف، ولا ننسى دور الجيش العربي الأردني في دعم العمل الفدائي الشريف وتقديم الإسناد لهم أثناء اجتيازهم لنهر الأردن لتنفيذ عملياتهم، وليعلم الجميع أن الكثير من شهداء الجيش الأردني قد قضوا وهم يؤمنون التغطية للفدائيين ليتمكنوا من اجتياز النهر بسلام، عدا عن تقديم الأسلحة والذخيرة وكذلك حتى التدريب في أوقات الصراع، ومما يؤسف له ويحزننا أننا لا نحظى ولو بإشارة واحدة في خارج هذا الوطن تتحدث عن دور للجيش العربي الأردني، ولا حتى عن قتاله وشهدائه، فقد امتاز الأردن بأدبه السياسي ووعيه المنهجي ولم يدخل في المزايدات والمهاترات، ولكن للحقيقة أقول أننا ندفع ثمن أدب السياسة والصمت بدعوى أن لا نخدش مشاعر الأشقاء والأصدقاء ولا يهم أن خدشوا مشاعرنا وأجحفوا وزايدوا وكذبوا…
إننا نكتب التاريخ، وإهمالنا في عرض وإبراز حقائقه يجعلنا نقدم للأجيال القادمة صوراً قائمة عن حالنا ، ونفسح المجال للآخرين لان يكتبوا ويقدموا للمكتبات ودور الوثائق ما يحلو لهم ، وستكون هذه هي التي يجدها جيلنا القادم أمامه، وحينها سنكون نحن المجرمون في حق الجيل وحق التاريخ .
الكرامة معركة شرسة مصيرية ، خاضها الجيش العربي الأردني على واجهتين رئيسيتين : الشمالية من جسر الأمير محمد وحتى الرأس الشمالي للبحر الميت بطول يبلغ حوالي 65 كيلو متراً ، والواجهة الجنوبية التي تبدأ من طرف البحر الميت الجنوبي وحتى نهاية منطقة غور الصافي بطول حوالي 25 كيلو متر أي بطول إجمالي للجبهة يصل إلى 85 كيلو متر ، هي ساحة المعركة التي كانت على أشدها منذ اللحظة الأولى من فجر يوم الخميس 21/3/1968 وحتى ساعات المساء، وقدم الأردنيون خمسة وثمانين شهيداً منهم 29 شهيداً من سلاح المشاة وثلاثين من سلاح الدروع وعشرين من سلاح المدفعية والبقية من الصنوف الأخرى، ليؤكد ذلك أن المعركة هي معركة جيش نظامي بالكامل ومعركة أسلحة جيوش انتشرت على واجهة وساحة لا يمكن لمئتين أو مئتين وعشرين شخصا بأسلحة فردية أن يؤثروا من قريب أو بعيد في واجهة واسعة ممتدة وأمام جيش مدرع مدجج بالسلاح والطائرات.
الكرامة تمضي كل عام، ولكنها خالدة لأنها جاءت في ظروف القهر واليأس، فأخرجت الأمة العربية إلى فسحة الأمل . وحين قادها المغفور له الملك الحسين بن طلال ، فقد قادها كمعركة مصيرية، فأشار في رسالة إلى الزعماء العرب جميعاً مع بدء فجر الكرامة بقوله (فان كنتم تسمعون عنا بعد الآن وليس منا )..” وهذه إشارة إلى خطورة الوضع وحجم الأهداف الإسرائيلية حينها وإشارة إلى حالة التردي في المنطقة ” ولكن كانت الكرامة و كأنها جاءت لترد الوفاء الأردني الذي كان عام 1949 حين قدم الملك عبدالله الأول ارض الكرامة لأهلنا اللاجئين الفلسطينيين فأسموها الكرامة لأنها مكرمة ملكية هاشمية ، وجاءت الكرامة من جديد تحفظ العهد وترد الجميل ليس للأردن وقيادته وإنما للعرب جميعا لتكون كرامة عربية بعد لحظات من اليأس والانكسار ، فبزغ فجر العرب الجديد في منتصف نهار ذلك اليوم ، وليكون الفجر فجر أمل وعطاء وعزم وتصميم رسمه واختطه الأردنيون بجيشهم صانع نصر الكرامة.
الكرامة هي أكثر من أنها معركة ، و هي قصة أردنية كتبها الجيش العربي الأردني في زمن القهر واليأس ، فجاءت درة في تاريخ العرب العسكري، وكانت معنى للزهو ومدعاة افتخار ، وهي أهزوجة وطنية تدعونا لان نرددها مع كل طالع شمس لتعيش ما دام للأردن قلب ينبض بالشجاعة والوفاء والصدق والإباء، وما دام الأردنيون يتطلعون إلى المستقبل بعزيمة قيادتهم وصدق رؤاهم وهم أهل الثقة والعزم الين يترفعون عمن يبحثون عن انتصار ينفض عنهم غبار هزائمهم .