وطنا اليوم:يُعدُّ القمر أقرب جرم سماوي إلى الأرض، ويؤدي دوراً كبيراً في جعل الحياة ممكنة عليها، بسبب جاذبيته التي تعمل على استقرار تذبذب الأرض حول محورها، وهذا ما يؤدِّي إلى استقرار المناخ. ويدور القمر حول الأرض في مسار بيضاوي، بحيث تبلغ نقطة الأوج 405,696 كم، وهي أبعد نقطة للقمر عن الأرض. وعندما يقترب القمر من الأرض يكون على مسافة 363,104 كم، وتسمى هذه النقطة بالحضيض. وهذا يعني أن متوسط المسافة بين الأرض والقمر يساوي 384,400 كم.
تتشكل قوة جذب بين القمر والأرض طبقاً لقانون الجاذبية العام لنيوتن، الذي يشير إلى أن قوة التجاذب بين أي جسمين في الكون تتناسب طردياً مع حاصل ضرب كُتلَتَيهما، وعكسياً مع مربع المسافة بينهما. ونلاحظ قوة جاذبية القمر للأرض بشكل واضح في ظاهرتي المد والجزر في مياه البحار والمحيطات. فماذا يمكن أن يحدث لو تناقصت المسافة بين القمر والأرض؟
هناك كثير من الأحداث الغريبة سوف تحدث، وهنا نضع أقرب السيناريوهات التي ترتكز على أساس علمي. فجاذبية القمر للأرض سوف تزاد كلما تناقصت المسافة بينهما، كما ينص قانون نيوتن للجذب العام. فإذا اقترب القمر كثيراً، سيحدث تضخم لظاهرتي المد والجزر بشكل هائل يؤدِّي إلى حدوث فيضانات عالمية كبيرة. وهذا يعني اختفاء كثير من المدن تحت الماء. كما أن الأرض نفسها سوف تتأثر بهذه الجاذبية القوية، من خلال تأثيرها على القشرة الخارجية للأرض أو العباءة، بحيث ترتفع وتنخفض. ونتيجة هذا التحرك، سيزداد النشاط التكتوني وتحدث زلازل وبراكين مروّعة جداً.
وسيؤدي اقتراب القمر من الأرض إلى زيادة سرعة دوران الأرض حول محورها، طبقاً لقانون حفظ الزخم الزاوي. وعند ذلك، ستتولد الأعاصير نتيجة دوران الغلاف الجوي بشكل أسرع. كما أن اليوم على كوكب الأرض سيكون قصيراً.
بالنسبة إلى المُشاهد، سوف يبدو حجم القمر أكبر كلما اقترب من الأرض، الأمر الذي سيسهم في حجب أشعة الشمس. وبذلك، سيصبح كسوف الشمس أمراً شائعاً.
وإذا اقترب القمر أكثر، ووصل إلى ما يعرف بـ “حد روش” (المسافة التي يبقى فيها جرمٌ سماويٌ متماسكاً بفعل جاذبيته عند اقترابه من جرم آخر)، سوف يتفكك القمر ويتحطم بسبب قوة المد والجزر الناتجة عن جاذبية كوكب الأرض. وستشكِّل هذه الأجزاء المتفككة حلقات على كوكب الأرض مثل حلقات كوكب زحل. لكن، لن يطول الوقت قبل أن تتساقط هذه الأجزاء على كوكب الأرض مثل آلاف الكويكبات.
وبالفعل، حدث ما يشبه هذا السيناريو الكارثي في نظامنا الشمسي. ففي عام 1992م اقترب المذنب Shoemaker-Levy 9) 9) من كوكب المشتري وتجاوز حد روش لكوكب المشتري، وتحطم إلى أكثر من عشرين قطعة، أخذت تدور حوله، ثم تساقطت الواحدة تلو الأخرى على كوكب المشتري في عام 1994م. وجرى تقدير قوتها التدميرية بثلاثمئة مليون قنبلة ذرية!
وهكذا يتضح أن نتائج السيناريو المحتمل في حال اقتراب القمر من الأرض ستكون كارثية إلى أقصى حدود. وهذه النهاية الخيالية المأساوية ألهمت بعض أعمال الدستوبيا ونهاية العالم. لكن في الواقع، فإن القمر يبتعد عن الأرض بمقدار 3.8 سم في السنة. ولذلك، من غير المرجح أن تحدث سلسلة الأحداث الافتراضية كالزلازل والبراكين والأعاصير المتتابعة، ولن نشاهد الكسوف الدائم، ولن تظهر حلقات تتشابه مع حلقات كوكب زحل، وسيبقى القمر عامل أمان واستقرار لكوكب الأرض.