وطنا اليوم – رصد : سواء قصد نتنياهو ذلك أم لم يقصد، فإن اختياره د. ليحل محل يوسي كوهن في منصب رئيس الموساد هو نوع من الحسم بين نهجين في الجهاز وفي صراع المكانة المتواصل بين أقسامه. يتبنى أحد المنهجين العمل الهادئ والمتواصل في الظلال، وأساسه الحصول على المعلومات وإعداد البنية التحتية لحالات الطوارئ القاسية التي تضطر فيها الدولة إلى أعمال تلحق ضرراً ذا مغزى بالخصم. وثمة نهج ثانٍ يتبنى أكبر قدر ممكن من الأعمال التي لها نهاية واضحة وتترك آثارها وتنتهي بضرر ذي مغزى للخصم، حتى في أوقات ليست حالة طوارئ. هذا النهج، “السكين بين الأسنان” كما صاغه أرئيل شارون عندما أودع الموساد في يد مئير داغان، ميز أيامه، وميز أيضاً يوسي كوهن. كلاهما تحدث عن “سلسلة عمليات تكتيكية تولد نتيجة استراتيجية”.
تكفي مراجعة سلسلة العمليات التي نفذها الموساد في السنوات الأخيرة، أو نسبت له في وسائل الإعلام الدولية كي نفهم ما هي طبيعة هذا النهج. مثال ممتاز يمكن الحديث فيه، لأن إسرائيل أخذت المسؤولية عنه، وهو سرقة وكلاء الموساد الأرشيف النووي، وكشف نتنياهو للعملية، ونشر نسخ عن الوثائق للقوى العظمى والأمم المتحدة، مما ألحق بإيران ضرراً معنوياً واقتصادياً وسياسياً كبيراً جداً.
ما كان لهذا الضرر أن يقع بشكل آخر، وينبع بعض منه من القرار بكشف العملية. سيقول مؤيدو النهج المحافظ بأن وجود العملية كشف بل وعرض للخطر قدرات الموساد التي كان ينبغي أن تبقى لأوقات الطوارئ، وأن الكشف مثل الإصبع في عين الإيرانيين – لم نأخذ فقط، بل وتبجحنا بذلك.
ينتمي د. إلى مدرسة داغان وكوهن مع السكين بين الأسنان، ويسعى إلى الاشتباك ويبحث عن ترك البصمة.
تعيينه انتصار داخلي: للمرة الثانية في تاريخ الموساد يعين شخص قضى معظم حياته المهنية في قسم “تسومت”، قسم تجنيد وتفعيل للعملاء. عندما تجند د. للموساد غيرت خطة التأهيل وتحددت مهماته النهائية والترجمة العملية بالتنفيذ الفعلي في الميدان. وقد حصل على الشهادة العملياتية في أعمال كان قائدها دافيد ميدان. ومع شهادة التأهيل اجتذب يوسي كوهن، الذي شغل في حينه منصباً آخر، وأخذ د. إليه وكلفه بالمنصب العملياتي الأول له في الموساد.
القرب بين الرجلين، منذ أن دربه كوهن لاحقاً، يقبع في أساس تعيين د. في المنصب. أمس، بعد أن علم بأمر التعيين، تحدثت مع سلسلة من رجال الموساد، وكانت النتيجة 100 في المئة مقابل صفر. لقد نجح نتنياهو هذه المرة في تعيين شخص لا يختلف أحد في ملاءمته لمنصب رئيس الموساد ويحظى بإجماع الثناء من الحائط إلى الحائط. كما أن توليه منصب نائب رئيس قسم “كيشت” الذي يعنى بالتعقبات والاقتحامات والعمليات في بلدان القواعد (البلدان التي تقيم إسرائيل معها علاقات دبلوماسية) أتاح له الاحتكاك بعمليات من نوع آخر ومهم جداً للموساد.
توليه منصب نائب كوهن بعد النائب السابق أ. الذي أنهي مهام منصبه قبل سنتين ولم يحظَ بالمنصب، أجازه في دورة مكثفة جداً فيما يتضمنه المنصب. يقف د. أمام عدة تحديات أساسية، أولها مواصلة الحرب ضد العدو المركزي وفروعه – إيران. وسيحصل الموساد في أيام بايدن على يد حرة أقل بكثير من الإدارة الأمريكية.
والثاني هو الحفاظ على منظومة علاقات الموساد في الشرق الأوسط، التي قبعت في أساس القدرة على التوقيع على سلسلة اتفاقات السلام. التوقيع أمر واحد، أما الحفاظ على العلاقات وتطويرها فشيء آخر. فهذه العلاقات هشة وقد تكون في خطر عميق بسبب انفجار عنيف مع الفلسطينيين.
وثمة تحدٍ ثالث، وهو مواصلة بناء القوة وإيجاد حل للأقسام التي كانت في الماضي في مقدمة فعل الموساد ولأسباب مختلفة تضررت قوتها، ولا سيما قسم “قيساريا” للعمليات الخاصة. أما التحدي الرابع فهو الدخول في حذاء كوهن الكبير، الذي لا تزال أمامه نحو نصف سنة في المنصب، وبالتأكيد يسره أيضاً هذا التعيين الذي هو توصيته، وكذا ليتأكد من أن الرئيس التالي سيكون رئيساً من داخل الموساد وليس جنرالاً ينزل بالمظلة من الخارج، وكذا ألا “يعلق” في الجهاز، بعد أن سبق أن مددت ولايته بنصف سنة. وبالصدفة تكون هذه حكومة انتقالية.
بقلم: رونين بيرغمان