أحزاب و كباب و شباب…. لمن يقرأ و لمن لا يقرأ

11 سبتمبر 2022
أحزاب و كباب و شباب…. لمن يقرأ و لمن لا يقرأ

بقلم : سهل الزواهره

آخذًا بنصيحة كثير من الثقات للابتعاد و لو قليلا عن اللغة التي استخدمها في ما اكتب قررت المحاولة خصوصا أن هذا الموضوع أصلا لا يستقيم مع تلك اللغة فهو موضوع العِقد القادم و عناصره بحاجة إلى مباشرة لفهمها و فهم أدوارها و من هنا جاء العنوان بربط الأحزاب بالكباب بالشباب إمعانا بالتبسيط فالكباب لا يؤكل الا ناضجًا و لو بتنا ليلنا ونهارنا نتوسل له أن ينضج لما نضج بلا نار أعدها نصف خبير بالشواء و فنونه، و الاصلاح السياسي و أحزابه كذلك لن يكون بأثرٍ يُذكر أو قيمة تُؤثر إذا لم ينضج و نضوجه يتطلب نارًا ذات ثلاث شعب لا يتم الأمر إلا باشتعالها بدرجة مناسبة لخلق حياة حزبية حقيقية و هذه النيران الثلاث محصورة في إرادة لسلطة صادقة ببناء حياة حزبية حقيقية نابعة من حاجة و مصلحة منزهة عن منطق الصفقات و ثانيا أحزاب تدرك أهمية ماهيتها و وجودها ذات أثر و تأثير و أخيرا مجتمع مؤهل لتلقي و احتضان هذه الأحزاب و حملها إلى دورها الطبيعي المتعارف عليه في الدول الديموقراطية الحقيقية وشبابه بالذات هو مناط الأمل و بيضة القبان ، و ترتيب العوامل الثلاثة هنا ليس له قيمة بالأهمية فالأمر لا يستقيم دون تلك الثلاثة.
بالنسبة للسلطة سنجد كثيرًا من الخطوات غير المحسوبة المدفوعة فقط بدوافع المسايرة و الصورة الخارجية رغم كم التطمينات الهائل، و يدلل على ذلك طبيعة تلك الخطوات فمن لجنة ارتجلت قوانين لا ضمانة على نجاحها و نجاعتها إلى مخرجات أصبحت قوانين دون أن تشتبك فعليا مع الواقع الاردني لا بل إنها تضمنت ترف تخريبي بالزج بمصطلحات خلقت جدلا كان الإصلاح و أهله بغنى عنه من قبيل الهوية الجامعة التي ولغاية هذه اللحظة لم يخرج أحد ليعرفها التعريف الحقيقي و لا أظن أن أحدًا سيفعل ذلك لأن تخليق المصطلحات المشوهة لم تكن يوما وظيفة من يسعى إلى إصلاح بل كان الأولى اختصار ذلك و التركيز على المهمة الأصيلة لها، طبعا هذا عدا عن الضربات الاستباقية غير المفهومة لمجمل العملية كمجلس الأمن القومي و دوره في قادم الأيام و كأن الغموض قدر علينا و كأن الشكوك و الخطوات العكسية لا زالت طريقة التعاطي مع هذا الشعب الذي لا يختلف عن غيره في التوق إلى ديموقراطية حقيقية لا ديموقراطية معلبة بنكهة عرفية و مواد حافظة لعشرات السنين، يضاف إلى ذلك كله جو مسيطر من عدم الثقة بالنوايا التي بدأت تتكشف في تخليق اجسام مستنسخة لإعادة التدوير على الحياة السياسية الأردنية فقط تحت رداء الحزبية و كأن كلمة الإصلاح في قاموسنا مرادفة مكافئة للهروب الى الأمام ، و هنا لا اجد جدوى من الخوض في تفصيلات تلك القوانين بندًا بندًا و ما تبعها من أنظمة و تعليمات مرتبكة فعدا أن اللسان قد جف، فالوقت كفيل بإثبات أن استثمارنا جاء في بذور بلاستيكية .
على الجانب الآخر تأتي الأحزاب و هي مع شديد الأسى بعيدة كل البعد عن حمل المرحلة القادمة بشكلها الحالي أو بشكلها الذي يراد له أن يكون و بلا استثناء كبيرها و صغيرها فهي في أحسن حالاتها ليست أكثر من خليط غير متجانس من داخلها و خارجها و إن كان ذلك بدرجات ، فالفكرة غائبة و الفردية مسيطرة و البرامج وريقات متشابهة و لا ينفع ها هنا تمجيد الذات و محاولة بعضها اظهار نفسه بأنه يمتلك المقومات لإدارة دولة أو حتى ربع دولة و ليس مجرد أن الإعلام يعطي المجال لكثير من هذه الأحزاب لتسويق نفسها بالعملقة أن هذا صحيح خصوصا أن كثير منها تم اختبارها في انتخابات ليست بالبعيدة و كانت ” اللهم لا حسد ” ، و من ذلك فقط نستطيع أن نصل إلى حقيقة مُرة و هي أن احزابنا غير جاهزة لاحتضان تلك القوانين و التعامل معها على فرض صلاحيتها ، فالسياسة و نضجها و نضج ادواتها ليست معادلة رياضية أو وصفة مخبرية و البناء الحقيقي للأحزاب لا يتم بمنطق الحشد العددي و التنظير التهريجي و الإيحاء للذات بالفرادة و تصديق ذلك و حتى لو ساهمت الدولة بتخليق كيانات حزبية لإعادة التدوير فلن ينجح ذلك و سنكون كمن يخدع نفسه و نضيع سنوات جديدة في المراوحة في ذات المكان الذي ملنا و مللناه ، ببساطة الأحزاب الأردنية بواقعها سماد مُستهلَك و لن يساهم في انبات تلك البذور البلاستيكية .
و اخيرا يأتي دور مجتمعنا الاردني وشبابه و مع دوره يثور السؤال الكبير الذي لا بد من طرحه ، هل نحن جاهزون و لدينا الاستعداد و الاكتراث على فرض صلاح القوانين الناظمة و نجاعة الأحزاب القائمة ؟ اعلم أن الأغلبية ودون تفكير ستقول : لا مدوية ، فكيف و الحال أكثر بؤسا من ذلك، فالقوانين بلا أفق و الأحزاب بلا شرايين و الناس اهتماماتها و تفكيرها في واد آخر بعيد عما يراد له أن يكون حالة ، فالفقر قد ضرب أطنابه و البطالة تتوسع و تمتد و الاسعار في سُعار و اليوم يترحم على الأمس و الغد يخيم متثاقلا بما يحمل من توقعات بمزيد من التراجعات على كل المستويات ، و المواطن لا يلمس تغييرا حقيقيا في أبسط احتياجات حياته من تعليم و صحة هذا ناهيك عن تنامي ظواهر مقلقة كالمخدرات و الانتحار و الجرائم بمختلف صنوفها كل ذلك مقترن في حالة عدم ثقة بالسلطات و عدم اكتراث في تجويدها و جدوى حلولها فكيف بعد كل ذلك ستصلح هذه التربة الفقيرة للسماد المستهلك لتنبت فيها البذور البلاستيكية.
و هنا لا بد من الإشارة إلى أن الزعم أن الإصلاح السياسي هو من سيرفع البؤس عن المواطن لانه سيأتي بخياراته هو زعم بعيد عن الدقة خصوصا مع تلك القوانين القافزة بالهواء و غياب الثقة، و الاصلاح السياسي و إن كان فعلا هو المدخل الحقيقي لأي اصلاح و صلاح فهو يكون كذلك إذا كان فعلا إصلاحًا و ليس مجرد شراء للوقت و إعادة للتدوير ، و اخيرا لم اتطرق إلى الواقع الإقليمي و الدولي و تداخله مع الوضع الاردني و تأثير ذلك على الخطط الإصلاحية و ذلك اختصارا للوقت و إيمانا بأن البيت الصالح قادر على الصمود و التغيير مهما كانت الظروف المحيطة به إن صدقت النوايا و تظافرت الجهود و اتسع الأفق و سقطت كل معايير الأنانية و كان الشعب و صالحه هو المبتدا و المنتهى …..