وطنا اليوم:بحلول شهر يونيو عام 1693، بلغت سعر الخبز رقماً خيالياً.. فعلى حسب المؤرخين، اضطر الفرنسي العادي لإنفاق أجرة يوم عمل للحصول على قطعة خبز واحدة
خلال القرون الماضية، شهدت فرنسا العديد من المجاعات التي أوقعت أعداداً كبيرة من الضحايا. فعلى حسب المؤرخين، مرت البلاد بـ13 مجاعة خلال القرن السادس عشر و11 مجاعة بالقرن السابع عشر إضافة لـ16 مجاعة أخرى بالقرن الثامن عشر الذي عرفت السنوات الأخيرة منه تقلبات الثورة الفرنسية.
إلى ذلك، عرفت فرنسا أواخر القرن السابع عشر أسوأ مجاعاتها. فبسبب النقص الفادح في القمح، توفي عدد كبير من الفرنسيين بالأرياف وكبرى المدن الفرنسية.
خلال السنوات التي سبقت المجاعة، مثلت الأمراض والحروب الأسباب الرئيسية للوفيات بفرنسا. فعلى الرغم من اكتفاء عدد كبير منهم بتناول الخبز وحساء الخضراوات حينها، لم يعتد الفرنسيون على فكرة الموت جوعاً.
أثناء العام 1692، لم يكن محصول القمح جيداً بالنسبة للفرنسيين الذين سرعان ما لاحظوا ارتفاع أسعار هذه المادة الأساسية على طاولة طعامهم. وخلال شتاء العام 1692، عرفت فرنسا كميات أمطار كبيرة ودرجات حرارة منخفضة جعلت الكثيرين يؤمنون بإمكانية حصولهم على موسم حصاد جيد في العام التالي.
إلى ذلك، خابت توقعات الفرنسيين مع بداية شهر مارس 1693. فطيلة ربيع وصيف عام 1693، شهدت فرنسا، على غير عادتها، تهاطلاً لكميات كبيرة من الأمطار التي أفسدت محاصيل القمح وهددت البلاد بما لا تحمد عقباه. بحلول شهر يونيو عام 1693، بلغت سعر الخبز، إضافةً لعدد من المواد الأخرى المصنوعة من القمح، رقماً خيالياً. فعلى حسب المؤرخين، اضطر الفرنسي العادي لإنفاق أجرة يوم عمل للحصول على قطعة خبز واحدة. وبسبب ذلك، اضطر الفرنسيون لتقليص عدد وجباتهم اليومية والاكتفاء بكميات قليلة من الغذاء لتظهر عليهم تدريجياً علامات سوء التغذية.
بسبب سوء التغذية الناجم عن المجاعة، أصبحت أجسام عدد كبير من الفرنسيين نحيفة وأشبه بجلد على عظم. ومع تراجع مناعة أجسامهم، أصبح الفرنسيون أكثر عرضة للأمراض، كالتيفوس، التي سرعان ما عصفت بالبلاد حاصدة معها العديد من الأرواح.
وأملاً في التصدي لهذه الكارثة، اتجهت السلطات الفرنسية لتوزيع الفقراء قرب منازل وقصور النبلاء ووفرت لهم بعض الخبز الذي لم يكن كافياً في الغالب لإطعامهم جميعاً.
بادئ الأمر، تجاهل الملك الفرنسي لويس الرابع عشر المجاعة. لكن مع حصوله على تقارير حول ارتفاع نسبة الوفيات ببلاده، وافق الأخير على قرار عاجل ومتأخر، باستيراد كميات من القمح من مناطق البلطيق. ومع نهاية العام 1694، اتجه العديد من المدن الفرنسية لبناء مخازن وصوامع لتخزين القمح، أملاً في تجنب تكرار كارثة مجاعة 1693-1694.
على حسب المؤرخ الفرنسي المعاصر فرانسوا لوبران (François Lebrun)، بلغ عدد سكان فرنسا قبل المجاعة 22.25 مليون نسمة. وأواخر العام 1694، تراجع هذا العدد ليستقر في حدود 20.75 مليون نسمة. وبناء على تقديرات الأخير، توفي ما بين 1.3 و2 مليون فرنسي بسبب هذه المجاعة والأمراض التي نتجت عنها