محراب ليليث (( لمن يقرأ))

1 مارس 2022
محراب ليليث (( لمن يقرأ))

بقلم : سهل الزواهره

رمال تتطاير مع الدَبور فتلفح وجوه الملأ و تترك أثرًا معيبًا في زجاج أُنفق في تلميعه بِحارٌ من الحبر الأسود الموبوء و الخِرق الحريرية النفيسة، و تتسابق قوافل الدجل بالسير على شواطىء الصحراء الواسعة متسلحةً بطموحِ عتودة الحبشي و هيلمانه الشاذ على أقيال البلاد الغارقة لبناء مجد تليد لثلة حولت مسارات النهر المقدس في غفلةٍ من أهلها ليصُب حصرًا في جُيوبهم المثقوبة أو بطون فراخهم مُعوجة الفؤاد و الهوى .
و يخرج علينا مِن نواديهم مَن شابَ ضميره قبل شعره ليُلبِّس على الثكالى و اليتامى أمرهم و يستدرج ألبابهم المُخدرة إلى مشهدٍ وطني جديد يحوز فيه فتيان العامرية الجاه و النفوذ ، فتلك الأرض لها كغيرها تُلمودها الخاص بها و له شيوخه الذين يقيمون مجالسه و يشرفون على تلاميذه النجباء أهل الولاء المختل و الإنتماء المُعتل .
و يقع الخلق في حيرة بكماء شائكة يمينها عاصف متشابك و يسارها مُفلس متهالك ، لا وسط فيها و لا علامة تذوي فيها حكمة أكثم و عامر و يسود فيها الولدان و الطنابر، إن أقدم الناس خرجت المردة من قماقمها الفارهة مُحذرة مُخوفة من السقوط و الفوضى ، و إن أحجموا زادت قبضة السامري على التراب المسروق و يقذفه حيث يشاء بلا حساب و لا ذمة ليحيله آبيسًا معاصرًا يخدع به الأبصار لينال وقتا جديدا لبناء معبد كثير السرادب يُخفي به مزيدا من غنائم السلام و الثقة.
و يعود الضباب الكثيف ليغلف وادينا الأخضر فلا نرى منه أبعد من انوفنا المزكومة بروائح الجيف التي صرعها العطش و تتعثر بها أقدامنا المرهقة صُعودًا و هبوطًا و نتوه عن منازلنا الغارقة في ظلام بأمر جُباة سقطت أسنانهم و سقط ضمير آمرهُم الساجد في محراب ليليث .
و يستنفر الزناتي جنوده و ينادي بنو هلال على الخيول و الفحول لاقتحام الحمى و الحصون ، و يسقط الشعب المسكين بين زناتي تأله و بين هلاليين أغراهم الطمع ، و تُسدل الستارة على صوت أنخاب و قهقهة و مسرحية تستمر فصولها المملة على وقع موسيقى لم يسمع قائد أوركسترتها الأصفر يومًا بالموصللي أو زرياب ، فطوبى لمن مات في النأنأة ….