وطنا اليوم:لم تكن تجربة العمل “المرنة” من المنزل يسيرة على بعض الأهالي الذين لديهم أطفال يدرسون “عن بعد” في الصفوف الأساسية الأولى، الأمر الذي جعل من التجربة “قاسية” اضطر فيها البعض إلى التخلي عن وظيفتهم أو التقصير في عملهم.
إلى ذلك انطلقت العديد من الحملات المطالبة بإعادة فتح المدارس وإعطاء الأهل حق الاختيار في تعليم أبناءهم وجاهيا أو عن بعد، خاصة، للأطفال في الصفوف الأساسية ورياض الأطفال، باعتبارهم أقل قدرة على رعاية انفسهم، وجاء ذلك بعدما انعكست تجربة “العمل من المنزل” في ظل “التعليم عن بعد” على صحة الأطفال وتهديد مستقبل وظائف أهاليهم مقابل المهام الرعائية.
وكان قد أعلن رئيس الوزراء يوم 20 تشرين الأول الماضي استمرار دوام المدارس والمراكز الثقافية ومعاهد التدريب المهني عن بعد حتى نهاية الفصل الدراسي الأول، وسط تساؤلات عديدة حول عدم تقديم الوزارة أية حلول بديلة للعودة إلى التعليم الوجاهي في حال استمرت أزمة كورونا.
تدعم سارة (ثلاثينية) كل الحملات التي تطالب بعودة المدراس، بعدما وجدت أن العمل من المنزل “مستحيلا” إلى جانب التعليم عن بعد، إذ تخلت عن عملها الإداري في أحد المنظمات الدولية من أجل رعاية أطفالها زها (6 أعوام) وهيثم (8 أعوام)، فرغم أن دوامها كان “مرنا” وتستطيع فيه العمل من المنزل إلا أنه كان “قاسياً” على أطفالها الذين يدرسون عن بعد، بالقدر الذي جعلها تعتقد أنها أم غير مثالية، “صرت عصبية على أطفالي، ومش قادرة أتابع دروسهم، ومستواهم تراجع في المدرسة، ومش قادرة أركز بشغلي”.
شعرت سارة بتقصير تجاه حقوق أطفالها، إذ لم تستطيع التوفيق بين العمل من المنزل ومتابعة تعليم الأطفال ورعايتهم الأمر الذي دفعها إلى اتخاذ قرار بترك العمل في 30 أيلول، “مستحيل أرجع أعيد تجربة العمل عن بعد، أدرّس واربي وأعلم وأطبخ وأضل اشتغل لـ2 بالليل وكله بنفس الوقت”.
بينما تحملت سارة عبء رعاية الأطفال وحدها بسبب غياب زوجها للعمل في الخارج، ورفضها أن توكل مهمة رعاية أطفالها لوالديها أو حمويها، بسبب كبر سنهم وخوفها من نقل عدوى كورونا لهم، لم يجد رامي (37عاما) خيارا آخر يقدم فيه حلول لرعاية طفله اليكس (ستة أعوام) سوى أن يعمل من المنزل يوميا من الساعة ال9 صباحا وحتى أوقات متأخرة من المساء.
“قد ما حكيت لك أنها تجربة متعبة ما رح تتخيل”، هكذا يصف رامي حاله في العمل عن بعد، إذ يعمل في أحد شركات المطاعم، مما يعني أنه يجب أن يكون متاحا في كل الأوقات لعقد الاجتماعات الطارئة بسبب طبيعة عمله الإداري.
ويضيف “الناس بتفكر انه العمل بالبيت مريح، بس الضغط بكون أكبر، خاصة إذا كان في أطفال بالبيت لحالهم”، يحاول رامي توفير كل احتياجات طفله أثناء ساعات حضوره الحصص المدرسية عبر الأون لاين كما يتوجب عليه القيام بمتابعته المستمرة للتأكد من دخوله للمنصة التعليمية، وتوفير حاجاته الأساسية، مثل تغذيته ورعايته، وعدم إيذاء نفسه من أي مخاطر محتملة في المنزل.
تعمل زوجة رامي في (خدمة العملاء) في أحد البنوك، وعطفا على الظروف الاقتصادية التي يمر فيها الأردن كان من غير الممكن أن تترك عملها لأي سبب كان، أو تعمل من المنزل، الأمر الذي جعلها غير قادرة على مبادلة الأدوار الرعائية مع رامي، “وضعنا ما بسمح لا أنا اترك شغلي ولا مرتي تترك شغلها”، يقول رامي.
انعكس هذا الأمر على جودة العمل الذي يقدمه رامي، إذ أصبح مشتتا، وأضعفت قدرته على التركيز في العمل الذي يتطلب جهدا كبيرا، هذا إلى جانب متابعة طفله، “العمل من المنزل مع متابعة الحصص اونلاين متعب نفسيا، أعلى درجات الإرهاق النفسي بعيشها، هذه الحالة تسحب من تركيزي ومن طاقتي العقلية، وتجبرني على عدم تلبية كل المهام المطلوبة”.
من جانبها، طالبت الدكتورة أسيل الجلاد منسقة حملة (من حقي أتعلم بمدرستي) بإعطاء الأهالي حق الاختيار في إبقاء الأطفال في المنزل أو ذهابهم إلى المدرسة مع التقيد بآليات وقائية متعددة تنتهجها المدراس مثل: التعليم المختلط “الهايبرد” تجنب الأنشطة غير الضرورية والتي تعزز الاندماج بين الطلاب، تقسيم الطلاب إلى مجموعات واعتماد نظام الفقاعة مما سيقلل اختلاط الطلاب والمعلمين مع بعضهم مع غسل اليدين باستمرار، والتزام الأهل والمعلمين بالتباعد والتوعية.
وتتابع الجلاد أن العديد من النساء اضطررن لتقديم استقالتهن بسبب عدم قدرتهن على ترك الأطفال في المنزل، “كيف بدي أترك طفل لحاله في البيت في غاز وكهرباء، ومش كل الأهالي عندهم خيارات بديلة”.
في الوقت الذي يطالب فيه رامي وسارة وعائلات كثيرة بإعادة فتح المدراس حتى يتمكنوا من تعليم أطفالهم وأن يستمروا في ممارسة أعمالهم بكفاءة وعدم فقدان وظائفهم بسبب استمرار إغلاق المدارس؛ ردت الحكومة خلال الأيام الماضية على مطالب الأهالي بـإعادة فتح المدارس بتأكيدها على أن “الاستمرار بالتعليم عن بعد حتى نهاية الفصل الدراسي الحالي”.
من جهتها، أصدرت جهات حكومية وغير حكومية بيانات تطالب فيها بإعادة فتح المدارس، فقد دعا المركز الوطني لحقوق الإنسان الحكومة إلى إعادة النظر في سياسة التعليم عن بعد، كما أصدرت مؤسسة إنقاذ الطفل- الأردن بياناً تقول فيه إن عبء النقص في رعاية الأطفال سينعكس على الأمهات العاملات في الأردن نتيجة افتقار الأهل إلى الموارد اللازمة للتعليم المنزلي، مؤكدة أن الحضانات والمدارس هي خيارهم الوحيد للانضمام إلى القوى العاملة، كما سيؤدي هذا القرار إلى إغلاق منشآت بشكل كامل.
كما شدد بيان الإحاطة الإعلامية لمنظمة الصحة العالمية، نهاية شهر تشرين الأول على أن إغلاق المدارس يمكن أن يؤثر سلباً على قدرة الأطفال على التعلم، وقدرة الآباء على العمل، وأن كِلا الأمرين يمكن أن يؤديان إلى مخاطر أخرى، موصيا بضرورة العودة إلى المدارس وإمداد الطلاب والمعلمين والموظفين والآباء بمعلومات ورسائل واضحة عن الوقاية من الفايروس والحد من انتشاره في المدارس.