وطنا اليوم-تبحث وكالة وطنا اليوم في دفاتر الوطن وتغوص في أعماقه لتكشف عن معادن ثمينة حافظت على انتمائها الصادق ووفائها واخلاصها للوطن وقيادته مهما ابتعدت المسافات او تقلبت الأيام وتغيرت الشخوص، وكان لها هذا اللقاء مع شخصية دبلوماسية رفيعة ورجل اقتصاد من طراز رفيع نهلنا من معينه وفكره؛ وقد جاد علينا بمعلومات تاريخية ثمينة، وكان اللقاء جامعا شاملاً لمسيرة طويلة واكبت ابرز الاحداث السياسية والاقتصادية.
في منزله كان لوطنا اليوم هذا الحوار الشامل الذي اجراه الدكتور قاسم العمرو ناشر موقع وطنا اليوم الاخباري مع السيد عدنان بهجت التلهوني في منزله الواقع على ربوة من ربى عمان الغربية والمطل على جبال القدس.
س: السيد عدنان التلهوني هل لك ان تحدثنا عن ابرز المحطات التاريخية للعائلة التي واكبت نشأت الدولة المعاصرة.
ج: تعتبر عائلة التلهوني من أوائل العائلات الأردنية التي استقبلت الأمير عبدالله في معان كما شارك عمي خليل باشا التلهوني في مؤتمر دمشق عام 1915 الذي فوض الشريف حسين لقيادة العرب وإعلان حركة التحرر من الاحتلال العثماني، وبالتالي كانت المسيرة مستمرة منذ البداية مع العائلة الهاشمية.
والدي بهجت رحمه عاش يتيما بعد ان توفي والديه في الحرب العالمية الاولى، في كنف عمه خليل التلهوني، وقد حاول الحاج خليل تغيير اتجاه والدي نحو التجارة ولكنه اصر ان يكمل مسيرته التعليمية رغم صغر سنه وفقده لوالدية فسافر الى دمشق ودرس الحقوق ثم عاد وعمل في القضاء، وبعد ذلك انتقل الى الحياة السياسية كوزير ثم رئيسا للديوان الملكي عام 1954 في عهد الملك حسين رحمه الله حتى عام 1960 اذ عُهد اليه بعد ذلك بتشكيل حكومة إثر اغتيال الشهيد المرحوم هزاع المجالي، وتعتبر مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي صعبة وخطيرة حصلت فيها تقلبات عديدة ومحاولات كبيرة لتهديد الدولة الاردنية ولكن بحكمة الملك حسين والتفاف العشائر الاردنية حول القيادة؛ اضافة الى دور القوات المسلحة الباسلة الجيش العربي تجاوز الاردن هذه المحنة الصعبة، وبقي والدي في المعترك السياسي حتى وافته المنية عام 1994.
اما على الصعيد الشخصي فقد ولدت في مدينة اربد حيث مكان عمل والدي رئيسا لمحكمة اربد ثم انتقلت الى عمان واكملت دراستي في الكلية العلمية الإسلامية ثم انتقلت الى الجامعة الامريكية وحصلت على بكالوريوس في العلوم السياسية، واكملت درجة الماجستير في الدراسات الشرق أوسطية من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الامريكية، ثم عدت الى الوطن وبدأت حياتي في العمل العام في الديوان الملكي العامر شغلت وظيفة مساع لامين عام الديوان الملكي، وفي التشريفات الملكية، ثم مديرا لمكتب الملكة نور وبعدها التحقت بالسلك الدبلوماسي سفيرا في أكثر من دولة في المغرب، سويسرا، وفرنسا الى ان أُحلت الى التقاعد وبعد التقاعد اتجهت الى القطاع الخاص وعملت مديرا لاحدى الشركات ثم ساهمت بتـاسيس جمعية رجال الاعمال الاردنية السويسرية.
س: هل لك ان تطلعنا على العوامل التي ساعدت في استقرار الدولة الاردنية وما هي ابرز المحطات المهمة في تاريخ الدولة؟
ج: لقد تكرست حالة الاستقرار مع بداية تأسيس إمارة شرق الاردن بفضل حكمة سمو الامير عبدالله الاول والتفاف المكونات الاجتماعية حوله وتأسيس القوات المسلحة الجيش العربي التي تعتبر اهم مؤسسة في تكريس الانتماء الوطني وفتحت المجال امام ابناء الاردن للالتحاق فيها كما ساهمت في التنمية المحلية بكل معانيها، وفي عهد الملك عبدالله الاول حصل الاردن على استقلاله من الانتداب الانجليزي عام 1946، والحقيقة ان الاردن دولة بلا موارد حقيقية واذكر رافقت عمي ثروت التلهوني الى معان في انتخابات 1966 فلم تكن الطريق الصحراوي معبدة وكانت الشاحنات تسير بجانب السكة حتى لا تتوه عن الطريق، وفي عهد الملك طلال تم تكريس المؤسسية ووضع دستور 1952 وفي عهد الملك حسين تم البناء على ما تقدم رغم الظروف السياسية الصعبة التي مر بها الوطن في الخمسينيات وستينيات القرن الماضي.
والحمدلله مع الصبر والعمل الدؤوب تم البناء وتطوير القوات المسلحة والبنى التحتية رغم شح الموارد واصبحت القوى البشرية من اهم موارد الدولة الاردنية.
س: ما هي الوسائل الممكن اتباعها في مواجهة تحديات الفقر والبطالة؟
ج: لمواجهة هذه التحديات الكبيرة لا بد من التفكير خارج الصندوق من ناحية اعداد القوى البشرية لتكون مؤهلة للسوق العالمي ولابد ايضا من تشجيع وجذب الاستثمارت ويا حبذا لو تمكنا واستفدنا من تجارب دول المنطقة في هذا الاتجاه كما يجب اعادة النظر بكل معيقات الاستثمار ومراجعة التشريعات الضريبية، والاهم من ذلك كله ان القيادة الحكيمة تعمل جاهدة لتوظيف سمعة الاردن وعلاقاته الدولية في خلق بيئة جاذبة للاستثمار خصوصا في ظل حالة انكماش اقتصادي عالمي بسبب جائحة كورونا.
س: وجه جلالة الملك الى اجراء حوار يقود الى اصلاح سياسي عميق ما هي وجهة نظركم في ذلك؟
ج: اعتقد ان جلالة الملك كان اول من فكر بذلك وطرحه في أوراقه النقاشية التي للاسف لم يتم التعامل بمحتواها من قِبل الحكومات المتعاقبة بما يخلق حالة حوار وطني حقيقي يزيل كل التشوهات الموجودة في التشريعات الناظمة للحياة السياسية، وعليه تكون دعوة جلالة الملك بداية حقيقية للاصلاح حتى تستطيع الدولة النهوض بالمجتمع وتحقق مساحة كبيرة للمشاركة السياسية والاصلاح السياسي الذي يعزز دور الاحزاب والقوى السياسية في المساهمة في وضع حلول لمجمل المشكلات التي تواجهها الدولة.
س: كيف ترى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الناس وهل ساهمت في تعزيز عدم الثقة بالحكومة؟
ج: مواقع التواصل الاجتماعي لها تأثير كبير في كل المجتمعات وكلنا نتذكر تغريدات الرئيس ترامب، لكن عندما تتوفر الشفافية وسيادة القانون والعدالة يقل تأثير هذه المواقع الى الحد الادنى والمقبول اما اذا بقي الحال على ما هو عليه ستساهم مواقع التواصل الاجتماعي بشكل سلبي على الثقة بالحكومة وسياساتها.
س: كيف تنظر للأحداث الأخيرة في فلسطين والعدوان الإسرائيلي على غزة وحالة المقاومة التي يرى كثيرون انها حققت انتصار؟
ج: انا من جيل الضفتين وفلسطين والقدس عزيزة على قلب كل عربي ونحن الأردنيون لها مكانة خاصة في قلوبنا، وقد ضحى الجيش العربي وخاض حروب الدفاع عن فلسطين بكل شجاعة، اما الاحداث الأخيرة فلا اعتقد انها حققت نصرا عسكريا وان كان أداء المقاومة المقاومة مقبول، فعلى ارض الواقع الشعب الفلسطيني يعاني من ويلات الاحتلال والاقصى تحت حرابه، والشعب الفلسطيني يعاني وغزة محاصرة، إضافة الى الدمار الكبير الذي خلفته الحرب الأخيرة على البنى التحتية وفي الأرواح.
س: كيف تنظر لحالة الإقليم واعجوبة استقرار الأردن في وسط هذه النيران المشتعلة حولنا؟
ج: الاردن منذ تأسيسه حافظ على علاقات مستقلة ومتوازنة وسياسة مصالحة وتسامح بين القيادة الهاشمية والشعب الأردني محب ولديه قناعة بالعائلة المالكة لتمتعها بالشرعية الدينية والتاريخية والدستورية، وان تداول الناس الحديث عن الاصلاح فهو ضرورة وينادي به الملك والقوى السياسية والكل مدرك اهمية الاصلاح السياسي، من هنا نستشعر اهمية الحنكة واستشراف المستقبل لدى القيادة الحكيمة التي حافظت على الاردن بعيدا عن الازمات رغم حساسية الموقع وتعقد الازمات المحيطة وحرص الاردنيون على مكتسبات الوطن في جميع النواحي.