وطنا اليوم:لم تدرك الخمسينية صبحة (اسم مستعار)، عندما وقعت على “كمبيالات” مالية بقيمة 400 دينار لعلاج زوجها من سرطان نخر عظامه، قبل حصوله على اعفاء طبي، أنها ستنتضم الى فئة الملاحقين قضائيا.
صبحة تقف عاجزة أمام مساندة زوجها المريض وأولادها لعدم سدادها أي مبالغ مالية تراكمت عليها بسبب ايجار سكنها في مخيم البقعة الواقع قرب عيادة وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين (الأونروا).
لم يثقل كاهلها بحسب قولها، عدم قدرتها المالية على سداد قيمة كمبيالات فقط، بل يتعاظم خوفها كلما تصورت ما سيحدث لأسرتها في حال القبض عليها وزجها في غياهب “سجن النساء”.
تحاول صبحة الاتكاء على كتف زوجها كلما انهار جسدها بعد تعرضها لإصابة في قدمها، اقعدتها عن العمل في تنظيف منازل عمانية، لكن زوجها بات هو من يحتاج لمن يسانده بعد كل جرعة كيماوي في مركز الحسين للسرطان.
استقرت -أخيرا- هذه الاسرة في مخيم البقعة، بعد أن جابت أغلب المحافظات، هربا من فقرها المدقع، لتقع في براثن الجوع، وتغرق في بئر ممتلئة بديون وفواتير مالية متراكمة عليها.
“الله يشهد علي اني سكنت في خيمة، ومرة في غرفة زينكو مع اولادي، وراضية بحكم الله، بس تعبت من الترحيل، كلما عجزنا عن سد الايجارات”.
تتحدث صبحة بحرقة شديدة عن واقعها، لكنها تشير الى مساندة أصحاب القلوب الرحيمة من بعض أصحاب المنازل ممن تنازلوا عن مستحقاتهم مقابل “ان نرحل”.
تروي فصولا من واقعها المعيشي المأساوي لأسرتها العفيفة، تتمثل بعجز جسدي ونفسي أصاب معيلها الوحيد الخمسيني، وشبابها اليافعين الذين يطرقون أبواب العمل لكنها توصد امامهم باستمرار.
اما ابنتها الشابة 16 عاما، والابتسامه البريئة لا تفارق وجهها تقول“نفسي أكون مثل صاحباتي اكمل تعليمي قبل ما يزوجوني أهلي، حتى يتخلصوا من مصروفي”.
تنظر جوري -اسم مستعار-الى بنات جيلها وهن يرتدين ملابس جميلة، يزداد ألمها النفسي والجسدي، كلما وخزت الإبرة أصابعها وهي ترثي ملابسها و”شالتها”.
ما تناله هذه الأسرة من صندوق المعونة الوطنية تحت بند “حالة انسانية” هو 45 دينارا شهريا، وبمعادلة حسابية بسيطة، فإن العجز المالي في ميزانيتها، الناتج بين احتياجاتها ودخلها الشهري الوحيد، كبير جدا.
وسط ذلك، يستهجن مجتمعنا فكرة سجن النساء او ملاحقتهن لأسباب مالية، غير أن التعاطف الشعبي مع المتعثرات ماليا، واغلبهن يقبعن في منازلهن، يواجهن مصيرهن في أي لحظة، ما يحتاج إلى بذل جهد وطني وتشارك شعبي، للوصول الى هذه الفئة “الصامتة” لمساعدتهم في مواجهة ظروفهن المالية صعبة.
اختزلت صبحة أحلام أولادها القاصرين، بأن يمتلكوا “ماكينة” لبيع شعر البنات، تدر عليهم دخلا يسند اسرتها، بجانب ما تتقاضاه من المعونة الوطنية “البائسة”.