وطنا اليوم:”لست منزعجا من وصفي وأقراني بـ (جيل الببجي) ولكنني أفضّل تسمية (جيل التحرير)”.. بهذه العبارة بدأ الشاب الأردني محمد داود (18 عاما) حديثه حول مشاركته مع أصدقائه في مسيرة باتجاه الحدود الأردنية الإسرائيلية، انتصارا للقدس واحتجاجا على قصف قطاع غزة.
وشاركت أعداد كبيرة من الشباب في المسيرة التي انخرط فيها آلاف الأردنيين من عديد المحافظات متجهين إلى الحدود مع فلسطين، الجمعة الماضي، حيث اخترق المئات منهم الحواجز الأمنية التي نصبتها قوات الدرك والأمن، ليقتربوا من الحدود، إلى أن حال أفراد حرس الحدود بينهم وبين الوصول إلى الأراضي المحتلة، باستثناء أربعة شبان، سلمت سلطات الاحتلال اثنين منهم للأردن، وبقي آخران معتقلين.
وكان من اللافت أن العديد من الصفحات المخصصة لنشر معلومات ومقاطع فيديو حول لعبة الببجي الإلكترونية الشهيرة؛ بثت فيديوهات مباشرة من المسيرة، امتزجت فيها شتائم “جيل الببجي” للاحتلال، مع هتافات لهم مجّدت المقاومة، وتحديدا كتائب القسام وقائدها محمد الضيف.
جيل الببجي أم جيل التحرير؟
وأوضح داود ـ وهو مدير لإحدى هذه الصفحات في موقع فيسبوك ـ أن أغلب الذين كانوا يبثون فيديوهات من المسيرة هم من “شباب الألعاب الإلكترونية”، مضيفا أن ما دفع هؤلاء الشباب إلى بث المسيرة عبر صفحاتهم المخصصة للألعاب؛ هو صدق مشاعرهم تجاه ما يجري في القدس وغزة، “مع العلم أن صفحاتهم قد تتعرض للإغلاق من قبل إدارة فيسبوك المنحازة لإسرائيل”.
ورأى أن من الخطأ الحكم على الجيل الحالي بأنه “جيل الألعاب والخلويات الذي لا يفكر في قضايا الأمة ولا يعي ما يدور حوله”، مؤكدا أن أكثر من يوصفون بـ”جيل الببجي” هم “شباب مثقفون، وتفكيرهم أكبر من عمرهم بكثير، ويفهمون في السياسة والواقع”.
وقال داود: “إن الجيل الجديد هو الذي سيحرر فلسطين”، متابعا: “هي قضية أهلي التي تربيت على أهميتها، ومنذ وعيت على هذه الدنيا وأنا أعرف أن القدس عاصمة فلسطين، وأننا سنعود إليها يوما، وهي بالنسبة لي ولأبناء جيلي وصية رسولنا عليه الصلاة والسلام لنا، ولن نفرط فيها”.
وبين أن من يوصفون بـ”جيل الببجي” هم الجادون في تحرير فلسطين، ولذلك توجهوا إلى الحدود عازمين على الاشتباك المباشر مع الاحتلال ولو بالحجارة، مضيفا أن “الاعتصام المتكرر أمام السفارة الإسرائيلية لن يحقق شيئا، وحتى لو طُرد السفير من الأردن فماذا سنستفيد؟!”.
وأضاف: “إن توجه الآلاف من الشباب إلى حدود فلسطين يرفع معنويات إخواننا هناك، ويعزز صمود المقاومة وجهادها، مؤكدا أن “95 بالمئة من الشبان المشاركين في المسيرة كانوا عازمين على دخول فلسطين، ولو فتح الجيش الأردني الحدود لما عاد منهم سوى خمسة بالمئة، وهم المندسون في المحتجين، والذين يستفزون الأمن الأردني بشكل متعمد ليفسدوا مسيرتنا السلمية”.
وحول اتهامهم بأنهم يخرجون في المسيرات للتسلية أو التنفيس أو تمضية الوقت؛ قال داود إن أكثر من 100 شاب مشارك في “مسيرة الحدود” اعتقلوا وعاشوا ظروفا صعبة خلال فترة اعتقالهم، متسائلا باستنكار: “هل غبت لمدة يومين عن بيت أهلي أثناء احتجازي لدى الأمن الأردني، وهم لا يعرفون عني شيئا؛ لأن لدي وقت فراغ أريد أن أتسلى فيه بالخروج في مسيرة؟!”.
وأوضح أن الأجهزة الأمنية اعتقلته لمحاولته اختراق الحدود، واحتجزته في مديرية أمن الشونة، ليتم تحويله لاحقا إلى مركز أمن البحر الميت، ويخرج بعد يومين إثر توقيعه كفالة بقيمة خمسة آلاف دينار؛ مُنع بموجبها من المشاركة في أية تجمعات أو مظاهرات.
وقال داود إن السؤال الذي ما زال يحيّره؛ هو: “ألسنا نقول في الأردن إننا شعب واحد ولسنا شعبين؟ فلماذا يمنعونني من الخروج في مسيرة أو تجمع من أجل القدس وفلسطين؟”.
استدعاء الهوية
من جهته؛ رأى أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، أن الألعاب الإلكترونية والمغريات المادية لا يمكن أن تمحو هوية الإنسان وانتماءه لوطنه.
وقال: “إن الهوية والاعتراف والمكانة هي أهم الاحتياجات البشرية في العصر الحديث، ومن يفقدها يشعر بأنه قد فقد حاجاته الأساسية؛ ليبدأ رحلة البحث عنها بشتى الطرق”.
وأضاف: “إن هؤلاء الشباب الذين يُطلق عليهم “جيل الببجي” حتى لو تعلقوا بالألعاب الإلكترونية، واستغرقوا في الترويج لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ إلا أن ذلك لا ينسيهم هويتهم وانتماءهم والتصاقهم بجذورهم، ولا توجد قوة في العالم قادرة على انتزاع ذلك منهم، حتى لو استخدمت كل إبر التخدير والمغريات”.
ومثّل الخزاعي بحركة “حماس” التي قال إن العالم اليوم مضطر للاعتراف بها؛ لأنها لم تنس هويتها التي هي مصدر قوتها، وبالتالي فهي لم تضعف ولم تستسلم، مشيرا إلى أن الجيل الحالي يمتلك طاقة كبيرا جدا من التحدي والمشاركة والانتماء والالتصاق بالهوية.
وتابع: “صحيح أن هؤلاء الشباب متعلقون بالألعاب الإلكترونية، إلا أن هذا لا يعني أنهم يعيشون في جزيرة معزولة، فهم يتابعون ما يجري في فلسطين وغيرها من خلال الأهل والبرامج والفضائيات والعلاقات الاجتماعية، وهذا كله يجعل القضية لديهم حية”.
وأكد الخزاعي أن “جيل الأبناء الحالي؛ يختلف عن جيل الآباء بأنه أكثر وعيا وتعلما وإدراكا وتفسيرا للواقع، وأقل استسلاما وخضوعا”.
وأشار إلى أن هؤلاء الشباب يرون أبناء بلدهم وقضيتهم ووطنهم يقومون بعمليات بطولية دفاعا عن الهوية، ويشاهدون الطبيب والمهندس وأصحاب شهادات التعليم العليا يضحون بأرواحهم وأبنائهم من أجل القدس وفلسطين، “وهذه بالنسبة لهم نماذج وقدوات تلعب دورا كبيرا جدا في تشكيل عقولهم وصناعة أفكارهم”.
وقال الخزاعي إن هناك قضية أخرى مهمة قد لا يلتفت إليها كثيرون، وهي ما نسميه بـ”الروح الاجتماعية” وهي التي تكون ملتصقة بقضية معينة لا تستطيع أن تلغيها إلا إذا قضيت على المجتمع بأكمله، لافتا إلى أن هذه الروح موجودة في قضية فلسطين، وهي ذاتها التي توحد وتحرك هؤلاء الشباب الرافض للواقع الاستسلامي الانهزامي.
واستهجن فرض كفالات مالية “تحول بين الشباب وبين التعبير عن مشاعرهم تجاه علاقتهم بمقدساتهم ودينهم وهويتهم وأرضهم”، داعيا إلى “عدم الحد من حماس هؤلاء الشباب ونشاطهم، والاعتراف بهم وبوجودهم وحقهم في التعبير”.
وأكد أن التعامل مع جيل الشباب بحكمة ومنطق أفضل من التعامل معهم من خلال القانون، “وبالتالي فليس من المنطقي اللجوء لإجراءات التوقيف والتحويل إلى المحكمة وتوقيع الكفالات المالية”، داعيا إلى تسليح هؤلاء الشباب بالعلم والمعرفة حول “خطورة اجتياز الحدود، وما يمكن أن يترتب على ذلك من تهديد لحياتهم”.
يذكر أن هيئة تنظيم قطاع الاتصالات الأردنية كانت قد حظرت لعبة “ببجي” في تموز/ يوليو 2019 بعد تلقيها شكاوى من قبل مواطنين و”جهات معنية” حول “تأثيرها السلبي على مستخدميها” لتعود وترفع عنها الحظر في آذار/ مارس 2020.