وطنا اليوم – ” جيرة عليكم، حظر الجمعة الجاي عنا”، و”تعالوا ننحجر سوا بنتسلى”، دعوات يصر عليها بعضهم على سبيل “تغيير الجو”، لدحر ملل تداعيات كورونا، أو هكذا تبدو في الشكل، لكنها في المضمون، تنسف الهدف الاساس، الذي اقر من أجله الحظر الشامل في ايام الجمع، الا وهو منع الاختلاط، والتباعد الجسدي، وتفادي أي تجمعات قد تتسبب بمزيد من الاصابات بفيروس كورونا المستجد، في موازاة استمرار التصاعد النسبي لها في المملكة.
ولا يجد خبراء في علمي النفس والاجتماع تعليلا للتحايل غير المباشر على حظر يوم الجمعة، من خلال التجمعات، وتجاوز القانون، والتعدي على صحة الافراد من قبل البعض، الا في سياق انعدام المسؤولية والاستهتار واللامبالاة، وعدم الادراك الفعلي لخطورة الفيروس الذي حصد في الاردن، حتى اللحظة 6747 وفاة، و605007 اصابة، فيما سجل رقم اقترب من حاجز 3 ملايين وفاة، و128 مليون اصابة عالميا.
ويشدد الخبراء، ومعهم أطباء، على اهمية الالتزام بعدم مبارحة المنازل في اوقات الحظرين الشامل والجزئي ايضا، وعلى عدم تحويل أيام الجمع، كمناسبة للقاء اكبر عدد ممكن من الاشخاص، في تحد سافر للقانون، ونسف لكل الجهود الحكومية المبذولة، بغية الحد من انتشار المرض، حماية للوطن والمواطن.
ناشطون يتساءلون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عن جدوى الحظر الشامل خلال ايام الجمع، “طالما انها اضحت أياما للتجمع، والمخالطة وعدم التباعد”، كما يقولون، الامر الذي يزيد من “طينة عدد الاصابات بلة”، على حد وصف احدهم.
وكما الكثير من المواطنين، تستغرب زينة الفاعوري، 38 سنة، ربة منزل، ما تسميه “هجرة آخر الاسبوع من محافظة لاخرى”، حيث يتقاطر الناس متوجهين لأسرهم في مختلف المحافظات، وكأن الحظر الشامل وجد لقضاء العطلة مع اكبر عدد ممكن من الاقرباء، متسائلة: هل من المعقول ان يكيد المرء نفسه، أو يتقصد جلب الأذية له، ولمحيطه؟وتكشف عن ان الاختلاط في ايام حظر الجمع لا يقتصر على العائلة الواحدة، بل يتعداه لاختلاط الجيران مع بعضهم بعضا، ممن يقطنون ذات الحي او البناية او القرية، معربة عن أسفها لاستهتارهم، وعدم احساسهم بالمسؤولية الاجتماعية والصحية.
وفيما أن عماد المسؤولية الوطنية، كما ترى الفاعوري، هو درء الخطر، والاسهام قدر الامكان في تعزيز كل الاجراءات الاحترازية، بموازاة جهود الدولة وكل اجهزتها المعنية في هذا السياق، داعية إلى “احترام الانسانية والقوانين على حد سواء، وعدم الانجرار لعاطفة اللقاء الذي لا يحمد عقباه”.
ولا ينحصر “لقاء الجمعة المحظور”، بما تقدم، بل يتعداه لان يقفز البعض من على السور الفاصل بينهم وبين الجيران، لقضاء يوم “هش ونش” عندهم، او لتبادل اطباق الطعام والاكل على الطاولة ذاتها، دون اي كمامات بطبيعة الحال، او اي تباعد او احتراز، او تدارك لوجود مرض “من اساسه”، وفقا للخمسيني ابو نايف، الذي يشتكي من تصرفات لجيران، يلحظ سلوكهم سالف الذكر، ليس لانه يراقب الناس كما يقول، بل لانه يقطن في الطابق الخامس، ويرى من على شرفته، هذه التحركات التي يصفها ب”المريبة وغير المسؤولة”.
وتجاهر الاربعينية فدوى، بمللها من وحدة وضجر ايام كورونا، حيث لا لقاءات ولا زيارات ولا تسوق، على حد شكواها، كاشفة عن انها ليست ضد لقاء الاسر ايام الجمع بالمطلق، شريطة الا يتعدى هذا اللقاء العدد المسموح به، وان يلتزم الجميع بالتباعد والتعقيم والكمامات.
يعتقد البعض ان تعمد الاقتراب من الخطر هو نوع من انواع اثبات الذات”، هكذا يفسر استشاري الطب النفسي الدكتور زهير الدباغ ضمن حديثه لوكالة الانباء الاردنية(بترا) قيام البعض بكسر قواعد حظر ايام الجمع، والاصرار على الالتقاء مع العائلة الكبيرة او الممتدة او مع ثلة من الاصدقاء والاقرباء، موضحا، ان اثبات الذات يأتي عادة في سياق ايجابي، وضمن سلوكيات تعود بالفائدة على المجتمع.
ويوضح ان اثبات الذات لا يتأتى من خلال ايذاء النفس والمجتمع، والمشاركة في نقل العدوى، كما ان محاولة تجاوز معاناة النقص في قوة الشخصية، لا يعني تحدي القانون، وانما من خلال الارتقاء لمستوى المسؤولية، والبعد عن كل ما شأنه المس بالأمن المجتمعي الصحي، وان يحول كل منا ذاته لانموذج مثالي في الالتزام بكل الاجراءات الوقائية، مسببا “عدوى ايجابية” بالمعنى الايجابي الفعلي، بوازع اخلاقي يعمم الخير، ويرفض الشر.
ويتساءل الدكتور الدباغ: من يرغب منا في ان يصاب أو يصيب الاخرين بالمرض؟ والجواب المنطقي: حتما لا احد يرغب بذلك، اذن، على الجميع مواصلة الالتزام الفعلي بالحظر الشامل، وعدم تحويله ليوم ترفيه مشوب بريبة الاصابة، والقلق وايذاء النفس والمجتمع، على ان نستغل ايام الجمع، كما يقول، كيوم نوعي تشاركي تفاعلي منتج، ضمن الاسرة الواحدة، على أمل اللقاء بمن نحب من اقرباء واصدقاء، بعد انقشاع الغمة، وزوال الشدة بإذن الله تعالى.
ويشاطر اختصاصي الامراض الصدرية الدكتور محمود الشبول، ما ذهب اليه الدكتور الدباغ، لجهة اهمية الالتزام بالحظر الشامل، مستدركا: “غير ان ما نراه يغاير تلك الدعوات”، حيث جنوح بعض الناس نحو قضاء ايام الجمع خارج المنزل، وكأننا نعيش اياما اعتيادية، وكأن مرضا لم يكن!ويشدد في هذا السياق، في ظل تحويل البعض، وللأسف، كما يقول، ايام الجمع لملتقيات عائلية على ضرورة التباعد الجسدي، قدر الامكان، والالتزام الفعلي بارتداء الكمامة وعدم المصافحة او التقبيل مطلقا، محذرا من خطورة عدم الاكتراث، والاستهتار، لا سيما في ظل تفاقم انتشار فيروس كورونا المتحور، وازدياد اعداد الاصابات.
اخلاص القاضي / بترا