بقلم رائد الخشمان
الهدف من مراكز التأهيل والإصلاح الذي يفهمه عامة الناس مثلي، هو انها وُجدت لتأهيل مرتكبي الجرائم المختلفة، في محاولة منحهم فرصة أخرى ليعيشوا حياتهم بعد الخروج من السجن كأشخاص أسوياء ومواطنين صالحين، فهي إذاً مراكز ذات رسالة تربوية وإصلاحيّة ومهنية وفكريّة هادفة، وليست محطة استراحة للمجرمين كي يتعلّموا من بعضهم البعض أساليب الاجرام والادمان وأنواع الانحراف المختلفة. ولمّا كان واجب الدولة السعي لمنع الجريمة قبل وقوعها – الوقاية خير من العلاج – فإن ذلك يتطلّب منها تحديث التشريعات الناظمة لحياة الناس، والضامنة لحقوقهم، والحافظة لأمنهم وكرامتهم، وتشديد العقوبات الرادعة، وبعدها محاكمة من لا يحترم هذه القوانين، وتطبيق العقوبة اللازمة عليهم من قبل القضاء، وتحويلهم لمراكز الاصلاح والتأهيل، على الا يتخرّج منها أي سجين الا بعد حصوله على شهادتين – سلوكيّة ومهنيّة.
تصوّري الافتراضي لمركز الاصلاح والتأهيل – حيث لم يسبق لي أن دخلتها وان شاء الله لن أدخلها الا زائراً للاطلاع أو البحث – أنه مركز يحتوي على عنابر نوم للسجناء نظيفة ومرتبة ومقسّمة، وزنازين انفرادية لمن لا يلتزم نظامها الداخلي، ومطعم وساحة لممارسة الالعاب الرياضية ومسجد ومكتبة، وقاعة محاضرات كبيرة، ومنجرة ومحددة، وورشة مهنية متعددة الاستخدامات، وورش للمهن الفنيّة، ومزرعة كبيرة تحيط بمبنى السجن. وعند انضمام السجين الى المركز يقوم بإختيار العمل الذي سيقوم به حسب مهاراته وميوله – حدادة، نجارة، زراعة، طهي، صناعات غذائية … الخ. ثم يتم إلزامه بالعمل في المجال الذي اختاره خلال فترات محددة. وأتخيّل بأن يوم المساجين يبدأ بفترة رياضة صباحية وتكون إجبارية للجميع، ثم يبدأ يوم العمل تحت إشراف فنيين وإداريين مختصّين، بساعات عمل يومية محددة، يتخللها أوقات استراحة لوجبتي الفطور والغداء، ومحاضرة تثقيفية مسائية يومية يقدّمها دعاة ومتخصصون نفسيين وإجتماعيين وإقتصاديين في مجالات الحياة المختلفة.
أستغرب عندما يُقال بإن كل سجين يكلّف الدولة مبلغ وقدره …! المفروض أن الدولة تستفيد من هؤلاء، فأولاً: هي فرصة لهم ليتعلّموا مهنة ويتقنوها، كي يسفيدوا منها في حياتهم ما بعد السجن، ثانياً: هي فرصة للدولة لتستفيد من طاقاتاهم ليغطوا تكاليفهم الشخصية أثناء السجن وتكاليف منشأة الاصلاح والتأهيل ككل. ثالثاً:كيف لنا أن نحوّل أشخاص مجرمين الى مواطنين صالحين ما لم نضع لهم برامج قويمة تُشغلهم بما هو مفيد، وتُعمّق لديهم مفهوم المواطنة والانتماء؟ فوجود مكتبة تحتوي كتب مختلفة ومتنوّعة، ومشغل للحرف والفنون، الى جانب ما ذكرت سابقاً ضمن برنامج ثري هادف موضوع من قبل متخصصين، سيمنحهم الفرصة كي يعودوا أشخاصاً أسوياء منتجين طوال فترة تواجدهم في المنشأة، على أن تمتد متابعتهم الاجتماعية والامنية لمرحلة ما بعد السجن ضمن برامج مدروسة لمساعدتهم على الانخراط الايجابي في المجتمع.
الواجب أن تكون هذه المراكز مؤسسات إصلاحيّة تأهيلية إنتاجية، تغطي مصاريفها – وحتى تكاليف مبانيها، وتدعم الخزينة ببعض العائدات، لا عبئاً على موازنة الدولة، والواجب أيضاً أن تعمل وفق قانون ونظام داخلي خاص بها ينظّم شؤونها، ويحفظ كرامة السجناء، ويساعد على تأهيلهم للمساهمة الايجابية في بناء أسرهم ومجتمعهم، فلماذا لا يتميّز كل مركز بوجود مصنع متخصّص صغير منتج، بالاضافة الى المنشآت الأخرى؟
ان الزج بأصحاب المحكوميّات والجرائم البسيطة مع عتاة المجرمين هو خطأ وإجحاف بحق البعض، فلا بدّ من تقسيم السجناء الى فئات حسب خطورتهم، ومنع اختلاطهم، لأجل حماية السجناء ذوي الجُنح والمحكوميّات البسيطة. هذه المراكز يجب أن تكون مؤسسات وطنيّة، مساهمة في اصلاح المجتمع وبناءه، لا أن تكون بؤر لإيواء المجرمين فقط، وتركهم دون برامج فاعلة، ليتعلّموا أساليب اجرام أكثر خطورة، ويهددوا أمن المجتمع والمواطنين عند خروجهم. أن المطلوب من الحكومة هو إعادة النظر في برامج وآليات عمل هذه المراكز من قبل لجان تضم مُختصّين نفسيين ودعاة وإقتصاديين وأمنيين، تعمل على وضع برامج دقيقة ومكثّفة ومُنتجة، بحيث تكون هذه المؤسسات ذات رسالة نبيلة تساهم في الاصلاح والتنمية والبناء والإنتاج.