الكرك والمسؤولية الجماعية: لماذا لا يمكن الإصلاح دون الاعتراف أولًا؟

32 ثانية ago
الكرك والمسؤولية الجماعية: لماذا لا يمكن الإصلاح دون الاعتراف أولًا؟

وطنا اليوم’..كتب الدكتور هاني الضمور..ما آلت إليه الأوضاع في الكرك اليوم لا يمكن فهمه أو معالجته من خلال البحث عن مقصّر واحد أو تحميل جهة بعينها كامل المسؤولية. فالمشهد الراهن، بما يحمله من تراجع واضح في البنية التحتية، وانهيارات متكررة في الطرق، ومعاناة يومية للمواطنين، هو نتيجة تراكم طويل امتد لأكثر من ثلاثة عقود، تداخلت فيه أخطاء التخطيط، وضعف التنفيذ، وغياب الرؤية التنموية الشاملة.

إن اختزال الأزمة في ظروف جوية أو عوامل طبيعية لا يصمد أمام الواقع. فالأمطار ليست ظاهرة جديدة على الكرك، وطبيعة الأرض معروفة، وما يتكرر من انهيارات وتشققات بعد كل موسم مطري يشير بوضوح إلى خلل بنيوي في طريقة إدارة هذا الملف. هذا الخلل لا يقتصر على جانب هندسي، بل يمتد ليشمل السياسات العامة، وآليات اتخاذ القرار، وضعف الرقابة والمساءلة.

المسؤولية هنا مسؤولية جماعية، تبدأ من الحكومات المتعاقبة التي لم تضع تنمية المحافظات، ومنها الكرك، ضمن أولوياتها الفعلية، وتمر بالمجالس النيابية والبلدية التي لم تمارس دورها الرقابي والتشريعي بالقدر المطلوب، ولا تنتهي عند بعض المسؤولين الذين تعاملوا مع مواقعهم بوصفها امتيازًا لا أمانة. وفي المقابل، لا يمكن إعفاء المجتمع المحلي من جزء من المسؤولية، حين ساد الصمت، أو القبول بالأمر الواقع، أو فقدان الثقة بإمكانية التغيير.

تكمن أهمية الاعتراف بهذه المسؤولية الجماعية في كونه الخطوة الأولى نحو الإصلاح الحقيقي. فالمحاسبة لا يمكن أن تكون فعالة دون تشخيص صادق للأسباب، والاعتراف لا يعني جلد الذات بقدر ما يعني فتح الباب أمام تصحيح المسار. الانتقال من خطاب تبادل الاتهامات إلى خطاب تحمل المسؤولية هو ما يميز المجتمعات القادرة على التعلم من أزماتها.

الآثار المترتبة على تدهور البنية التحتية في الكرك ليست خدمية فقط، بل تمس جوهر الحياة اليومية. تعطّل حركة المواطنين، صعوبة الوصول إلى المدارس والمستشفيات، تراجع النشاط الاقتصادي، وتهديد السلامة العامة، كلها نتائج مباشرة لهذا الواقع. ومع استمرار هذه الأوضاع، تتآكل ثقة المواطن بالمؤسسات، ويزداد الشعور بالتهميش، وهو أخطر ما يمكن أن تواجهه أي منطقة.

إن التهميش لا يحدث فجأة، بل يُصنع على مهل. يُصنع حين تُرحّل الحلول، وحين تتحول المشاريع إلى إجراءات مؤقتة، وحين يغيب التخطيط طويل الأمد. ويُصنع أيضًا حين يغيب الصوت المجتمعي المنظم القادر على المطالبة بالحقوق ضمن إطار عقلاني ومسؤول. لذلك، فإن إعادة بناء الثقة تتطلب شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع، تقوم على الشفافية وتبادل الأدوار.

المطلوب اليوم في الكرك ليس وعودًا جديدة، بل مراجعة شاملة لما تم تنفيذه سابقًا، وتقييمًا مهنيًا صريحًا لجودة المشاريع، وربط أي إنفاق مستقبلي بمعايير واضحة وقابلة للقياس. كما أن إشراك الخبرات المحلية والمجتمع المدني في التخطيط والرقابة يمكن أن يشكل عنصر قوة حقيقي، بدل أن يبقى المواطن متلقيًا للنتائج فقط.

أهمية هذا الملف تتجاوز حدود الكرك، لأنه يعكس نموذجًا عامًا للتعامل مع قضايا التنمية في المحافظات. فإذا نجحت الدولة في تحويل الاعتراف بالمسؤولية الجماعية إلى سياسات عملية، وخطط مستدامة، ومحاسبة عادلة، فإن ذلك سيشكل خطوة مهمة نحو تعزيز العدالة التنموية على المستوى الوطني.

الكرك لا تطلب امتيازًا خاصًا، ولا تسعى إلى معاملة استثنائية، بل تطالب بحق أساسي: تنمية قائمة على التخطيط السليم، وبنية تحتية تحترم الإنسان، ومسؤولية عامة تُمارس بوصفها واجبًا لا شعارًا. ومن هنا، فإن الاعتراف الجماعي بالأخطاء ليس ضعفًا، بل بداية الطريق نحو إصلاح طال انتظاره.